) وجعلته بينكم محرماً) لماذا؟ لأنهم عباده، فإذا كان هو لا يظلم، ولو وقع منه ظلم فإنما يقع على عباده؛ لكنه لا يظلم عباده لأنه يرحمهم، فكيف يقبل من غيره أن يظلمهم؟! ثم قال: (فلا تظّالموا) ، بصيغة المبالغة، لأنه قد يقع بعض الظلم دونما علم، والرواية الأخرى: (فلا تظالموا) ، بدون تضعيف، أي: لا يظلم بعضكم بعضاً.
وإذا وقفنا عند هذا النداء الأول، وهو: النهي عن الظلم بين الخلق، وكان الظلم: وضع الشيء في غير موضعه، أو المصطلح عليه عند الناس: أن الظلم هو الاعتداء على حقوق الآخرين، والتصرف في ملك الآخرين بغير إذنهم.
يقول علماء التوجيه والتربية والتشريع: ما فنيت أمة إلا تحت سوط الظلم، وما وقعت مصائب في أمة ولا ابتليت بأمراض ولا ببلايا ولا بفناء نهائي إلا بسبب الظلم.
ويقولون: إن رفع الظلم عرف في التاريخ من آلاف السنين، والعالم بأسره كان يحذر الظلم ويتجنبه، وبعض الملوك كان يجعل له نافذة ويكتب عليها: نافذة المظالم، وكل من كانت له مظلمة من عامل أو خادم أو أي شخص له سطوة أو سلطة كتب ظلامته وألقاها؛ لأن عماله كانوا لا يبلغونه مظالم الأمة، فكان يتولاها بنفسه.