الفرق بين القرآن والحديث القدسي: أولاً: في المصدر، ففي القرآن: لابد من مجيء جبريل به من الله إلى رسوله، وقالوا: الوحي من حيث هو أعم من أن يأتي به ملك؛ لأن الوحي في اللغة: هو الإعلام بخفية، ولما سئل صلى الله عليه وسلم: كيف يأتيك الوحي يا رسول الله؟! قال: (أحياناً يأتيني الملك كصلصلة الجرس، فيأخذني الوحي ثم ينفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحياناً يتمثل لي الملك في صورة رجل) ، وفي الصورة الأولى قال: (وهو أشقه عليّ) ، وفي الثانية قال: (أحياناً يأتيني الملك في صورة رجل فآخذ عنه) .
وذكروا من أحوال الوحي: أن يكون مناماً، وأن ينفث في روعه ويلهم، ولكن اتفقوا على أن القرآن لم يؤخذ مناماً ولا إلهاماً ولا نفثاً في الروع، ولابد أن يتلقاه بواسطة الملك: إما أن يأتيه كصلصلة الجرس، وإما أن يأتيه الملك بصورة رجل ويعلم أنه جبريل، ويُلقي عليه القرآن الكريم.
أما بقية أنواع الوحي فيمكن أن تأتي بإلهام ونفث في روعه، والنفث في الروع قد يكون لبعض عباد الله الصالحين ممن يلهمهم الله الحق.
وقد جاء في قصة بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فجاءوا ليلاً ونزلوا على حي من العرب وطلبوهم القِرى على عادة العرب، قالوا: أنتم جئتم من عند الرجل الصابئ، فليس لكم عندنا شيء، فذهبوا عنهم، ولما نزلوا قريباً منهم سلط الله عقرباً على سيد الحي فلدغته، فجاء واحد منهم، قال: هل فيكم من راق؟ قال: نعم، قال: إن سيد الحي قد لدغ بعقرب، قال: لا رقية لكم حتى تعطونا جُعلاً، فجعلوا لهم قطيعاً من الغنم، فقرأ عليه سورة الفاتحة، فإذا به ينشط وكأنه ما أصيب بشيء، فجاء بالغنم يسوقها، فقال له أصحابه: بم جئت به؟ قال: رقيت لهم سيد الحي، قالوا: وماذا فعلت؟ قال: قرأت سورة الفاتحة، قالوا: وكيف تأخذ أجراً على قراءتك كتاب الله، واختصموا في أخذ الأجر، هل نقتسمها ونأكلها؟ ثم قالوا: لا نأكلها حتى نرجع إلى رسول الله ونسأله، ثم احتفظوا بالغنم وجاءوا إلى المدينة، فأخبروا رسول الله بالخبر، فقال: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله، اقتسموها واضربوا لي معكم بسهم، ثم قال للرجل: ماذا قرأت؟ قال: قرأت الفاتحة، قال: وما أدراك أنها رقية، قال: شيء نفث في روعي) أي: بهذا الإحساس، ووجدت هذه الأريحية واسترحت إليها فقرأت والله سبحانه وتعالى أجابني.
فإذا كان شخص من عامة الأمة ينفث في روعه ما يوافق الحق؛ فسيد الخلق صاحب الرسالة من باب أولى، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] .