بسم الله الرحمن الرحيم: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1-2] هذا القسم الأول، من هم المتقون؟ والوصل والفصل أسلوب بلاغي، وعدم العطف يدل على أن الثاني عين الأول، قال تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:2-3] .
وهذا يوافق ما في الحديث: (الصلاة نور، والصدقة برهان) {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:4] ، جاءت أركان الإسلام وأركان الإيمان، فالإيمان بالغيب يقتضي الإيمان بكل ما جاء عن الله في كتاب الله أو أخبر به رسول الله في سنته.
فهم يؤمنون بالغيب (يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ، وقال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:285] ، أما غير المسلم فيقف إيمانه عند مرحلة معينة، فاليهود يقفون عند رسالة موسى عليه السلام ويجحدون عيسى، والنصارى يقفون عند رسالة عيسى ويجحدون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، أما المسلم فيؤمن بكل رسالات الله: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] .
وقوله: {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة:4] ؛ لأن اليقين باليوم الآخر منطلق كل خير، وهو رادع عن كل شر؛ لأنه إذا أيقن بيوم فيه حساب وجزاء وعقاب فإنه يحسب لكل خطوة حسابها، {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47] ، فهو يعلم بأن هناك موازين توضع، فيقيس أعماله، ويزن خطواته؛ لأن أعماله موزونة وليست مهملة، فهؤلاء هم القسم الأول، والقرآن هدى لهم، وإذا كان هدىً لهم فيكون شاهداً لهم وحجة لهم.
إذاً: القرآن يكون حجة للمتقين: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:2-5] ، جعلنا الله وإياكم منهم.