بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيد الأولين والآخرين، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: إن هذا الحديث النبوي الشريف بهذا السياق والنسق الجميل، يعطينا منهجاً متكاملاً في توجيه الأمة إلى ما فيه سعادتها في الدنيا والآخرة، وهو في كماله كحديث جبريل عليه السلام (حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه أحد من الحاضرين، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه -وهذه جلسة المتأدب المتعلم-، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ فأخبره صلى الله عليه وسلم عن أركانه، ثم قال: أخبرني عن الإيمان؟ فأخبره صلى الله عليه وسلم عن أركانه، ثم قال: أخبرني عن الإحسان؟ فأخبره به، وكلما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صدقت.
يقول عمر: فعجبنا له يسأله ويصدقه! ثم سأله عن الساعة، فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ردوا علي الرجل، فلم يجدوه، فقال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم) ، والدين أعم من الإسلام والإيمان؛ لأنه شمل الإسلام بأعماله الظاهرة: صلاة، وزكاة، وصيام، وحج، والإيمان بأعماله الخفية، مما ينطوي عليه القلب، ومجمل ذلك كله هو الإحسان.
وهذا الحديث الذي معنا عن أبي مالك الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا آثار تلك الأركان في ذاك الحديث، من الشهادتين، والصلاة، والصيام، والزكاة، وهنا يبين لنا صلى الله عليه وسلم آثار الطهارة وذكر الله: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأان أو تملأ ما بين السماء والأرض) ، وسبحان الله والحمد لله هما مؤدى لا إله إلا الله؛ لأنهما إثبات صفات الجلال والكمال لله، وفيهما نفي وتنزيه المولى سبحانه من صفات النقص، ثم قال بعد ذلك: (والصلاة نور) ، وفي ذاك الحديث ذكر أركان الإسلام، الشهادتين ثم الصلاة، فيبين هذا الحديث آثار ذاك الحديث الأول، وتقدم الكلام عن قوله: (الصلاة نور، والصدقة برهان) ، وهي أعم من الزكاة، وكذا قوله: (والصبر ضياء) ، وهذه هي أركان الإسلام التي جاءت في حديث جبريل، ولم يبق منها إلا الحج، والحج مستقل بذاته: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:28] ، بل إن الحج يجمع جميع أركان الإسلام في مناسكه، فالشهادتان: لبيك لا شريك لك، والصلاة: يلزم أن تصلي ركعتين بعد الطواف، والزكاة: أنت تنفق المال من أول ما تخرج من بيتك إلى أن ترجع، والصوم: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة:196] .
إذاً: الحج هو العمل الإجمالي أو التطبيقي العملي لأركان الإسلام كلها.
تقدم معنا الكلام بإيجاز عما جاء في أوائل هذا الحديث، إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (والقرآن حجة لك أو عليك) .