نرجع إلى هذا الحديث على إيجازه، ونتكلم فيه من جهتين: جهة منهجية، وجهة موضوعية.
أما الجهة المنهجية فهي تطابق الجواب مع السؤال، ليشبع رغبة السائل ويكفي حاجته، بكل وضوح وبيان، وبكل شمول واستغراق، وليس ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الناحية الموضوعية فنجد هذا الترتيب: (قل: آمنت بالله) فالقول يقتضي مقول، وكأنه صلى الله عليه وسلم يأمره أن ينطق قائلاً قولاً مسموعاً (آمنت بالله) ، ولم يقل له: آمن بالله ثم استقم؛ لأنه لو قال: آمِن بالله، فالإيمان بالله داخل القلب؛ لأن الإيمان التصديق، ولكن عمل القلب وحده لا يكفي، فلابد معه من نطق اللسان المعبر عن إيمان القلب، ولذا قال له: (قل: آمنت بالله) ، وقال الله: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ، وما قال: وكان من المسلمين، بل قال: ((وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) ليشهد العالم عليه، وليشترك اللسان في الإيمان.
وهنا وقفة: هل السائل غير مؤمن؟ هو يقول: يا رسول الله! ويقول: قل لي في الإسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه جواباً مكتمل الجوانب، لم يحل فيه على متقدم ولا غائب، بل أعطاه الجواب مكتملاً لا يحتاج إلى إضافة، ولا إلى إلحاق، ولا إلى إتباع، ولا إلى إحالة، كأنه يرسم له منهجاً من جديد، ليكون جواباً له ولغيره، ولو وصل هذا الحديث إلى أي إنسان يعقل فهو موجه له، وإن كان مؤمناً جدد إيمانه، لقد كان صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله في اليوم مائة مرة، يجدد ذكر الله.