ثم قال هنا صلى الله عليه وسلم: (وأن الفرج مع الكرب) ، الكرب هو: شدة الإيلام، وشدة الضيق في حياة الإنسان، لكن كلما اشتد الكرب كلما قرب الفرج، فما السر في هذا؟ لو تأملنا بعض القضايا لكشف لنا النقاب، فالمولى سبحانه قريب كما قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} [البقرة:186] ، وقرب الله من عباده قرب خير وعطاء ونصر وعناية، ولكن (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) لو تساءلنا -وكل إنسان جرب في حياته- هل اتجاهك إلى الله في وقت سعتك وغناك وعافيتك كاتجاهك إلى الله في وقت الضيق والحرج والمرض أو هما سواء؟ لا، والله! حينما يكون الإنسان محتاجاً شديد الاحتياج، فليس عنده إعراض عن الله ولا حتى بمقدار شعرة، ولكن حينما يكون في غنى وفي سعة فيمكن أن يطغى كما قال الله: {إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7] .
فتعرفك إلى الله في الرخاء -وأنت لست في ضيق ولا كرب- سبب لأن يعرفك الله في شدتك، وأنت لا تغيب عنه في كلتا الحالتين، ولكن يتعرف إليك بالإجابة.
إذاً: عند شدة الكرب تكون قوة الإيمان، والإخلاص، وصدق التوجه إلى الله، وربك يحب منك هذا، وهو لا يريد منك شيئاً، فخزائنه ملأى، وعطاؤه كلام، لكن يريد من عبده صدق التوجه إليه، وثق بأنك إذا توجهت إلى الله بصدق فمهما كانت حاجتك فإنه يقضيها، فهو لا يخيب ظن عبده أبداً، وفي الحديث: (إن الله ليستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم يردهما صفراً) لكن لابد أن يكون مطعمه حلالاً، ومشربه حلالاً.