ومناقب ابن عباس وافرة، ويهمنا منهجه في العلم والتعليم، ولقد كانت له بمكة مدرسة نشأت عنه، وكذلك في البصرة، وانتشر علم ابن عباس بتلاميذه رضي الله تعالى عنهم، وجزاهم الله عنا أحسن الجزاء.
ها هو ابن عباس ينظر إليه رسول الله صلى الله وهو غلام، فيرى فيه الفراسة، ويرى فيه الأهلية، لكي يلقي عليه هذا الحديث، وكان ابن عباس يحفظ من أول مرة، فلقد ذكر علماء الأدب، مثل الرافعي في تاريخ الأدب أن ابن عباس كان جالساً عند الكعبة، وعنده بعض الخوارج من أهل الشدة والشوكة، فإذا بـ عمر بن أبي ربيعة يمر عليه، فقال عبد الله: هيه هيه يا عمير! هل من جديد؟ فقال: نعم، وأنشده قصيدة من تسعين بيتاً، فلما انتهى قال الخارجي: يا ابن عباس! أما تخشى الله فينا؟ جئناك عند بيت الله نسألك عن الحلال والحرام، فتتركنا وتسمع لهذا الشاعر الماجن! أوأعجبك شعره؟! قال: نعم، وحفظته، قال: أحفظت ما قال؟! قال: نعم، وإن شئت أعدته عليك منكسّاً فعلت، قال: نعم -والله- شئت، فأعاد عليه القصيدة، وبدأ من آخر بيت فيها حتى جاء إلى أولها، وهذا يدل على عظم ذاكرة ابن عباس، فالرسول صلى الله عليه وسلم خصه بهذا الحديث عندما رأى فيه أهلية التعليم، فألقى عليه هذا العلم.
ويذكر علماء الحديث مسألة: الغلام الذي دون البلوغ هل يعتمد على روايته؟ يقولون: إن العبرة في رواية الحديث بوقت الأداء؟ فلو أن غلاماً سمع ووعى، ثم أدى ما سمعه بعد البلوغ، كانت روايته حجة، ولو أن كافراً مشركاً سمع وقت الكفر والشرك ثم أدى بعد الإسلام كانت روايته معتمدة؛ لأنه عند الأداء مؤتمن على ما يؤديه، وهكذا ابن عباس رضي الله تعالى عنه حفظ هذا الحديث العظيم.