قال صلى الله عليه وسلم: (وخالق الناس بخلق حسن) : الحديث جمع التقوى وجمع حسن الخلق، حسن الخلق ألفت فيه الكتب، وأدق ما في ذلك كتاب ابن مسكويه في فلسفة الأخلاق، يبحث عن الغرائز النفسية وأحوالها وعن نتائجها، فمن أراد الاستزادة فليرجع إليه؛ ولكن يهمنا ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من مجامع الحكم مع جوامع الكلم.
الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم يقول: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ.
} [البقرة:177] .
ويقول: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [البقرة:189] .
فجعل القرآن الكريم {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى.
} [البقرة:177] إلى آخره؛ هو البر، وهنا جعل البر التقوى، فكأن التقوى هي بر، أو أن البر بعموم أنواعه هو التقوى.
وجاء الحديث: (البر حسن الخلق) : فلَكأن البر يتفق ويجتمع مع حسن الأخلاق ومع تقوى الله، ولذا جمع صلى الله عليه وسلم الأمرين وهما القمة في التوجيه الإسلامي، وهما الذروة في مكارم أخلاق الإسلام: (اتقِ الله حيثما كنت) .
(خالق الناس بخلق حسن) .
ولعل هذا القدر يكفي.
وأسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم جميعاً إلى تقوى الله، وأن يجعلها غايتنا، وأن يملأ قلوبنا بتقوى الله وخوفه وعظيم رجائه، وأن يوفقنا وإياكم إلى اجتناب السيئات، وأن يعيننا وإياكم على فعل الحسنات، وأن يجملنا وإياكم بمكارم الأخلاق.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي مدحه الله بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] .