يأتي بعد ذلك القسم الثاني من الحديث: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) : هو يوصيه بتقوى الله، والتقوى ليس معها سيئة؛ ولكن هل الإنسان معصوم؟! لا.
ومع أنك تتقي الله كيفما كنت وحيثما كنت، فإن وقعت منك زلة، أو أسأت إساءة فأتبعها بحسنة، وفي بعض وصايا النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا عصيت ربك في مكان فأطعه فيه) ، أي: المكان الذي عصيت فيه أحدث فيه طاعة؛ لأن المكان سيأتي ويشهد للإنسان أو عليه، فإذا جاء المكان وشهد عليك بمعصية يكون عنده شهادة لك بحسنة، فمن وصاياه صلى الله عليه وسلم: (وإذا عصيت بمكان فأحدث به طاعة) .
فقوله: (أتبع السيئة الحسنة) في أي شيء؟ في كل تصرفات الإنسان، أخطأت على شخص وأسأت إليه، تتبع هذا الخطأ والإساءة بإحسان.
ما أثر الإحسان مقابل السيئة؟ إن الإحسان يمحو السيئة (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) .
وقد ثبت مثل هذا في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما وقع منه وما كان بينه وبين امرأة، حيث جاء في بعض الرويات: (أصاب رجل من امرأة قبلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأها عليه، فقال الرجل: يا رسول الله هذا لي خاصة؟! قال: بل لجميع أمتي) .
وهذا من سعة فضل الله على هذه الأمة، ويقول العلماء في موجب ذلك: أن السيئة تكتب واحدة، والحسنة تكتب عشراً، والحسنات تقدر على محو السيئة؛ ولكن -والله- هو فضلٌ من الله أن ضاعف الحسنة، وفضلٌ من الله أن لم يضاعف السيئة، بل في بعض الآثار: أن ملَك الحسنات يبادر بكتابة الحسنة، وملَك السيئة حينما يريد أن يبادر يمنعه الآخر يقول: اصبر! لعله يتوب! لعله يستغفر! لعله.
! فإذا سوَّف وطال الوقت ولم يتب كتبها، فإذا استغفر وتاب ورجع، فالتوبة تجب ما قبلها.
وقد بين سبحانه وتعالى مقابلة السيئة بالحسنة منك وعليك: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ؛ ولكنها منزلة عظيمة، ما كل إنسان يقدر عليها، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] .