الله عز وجل يريدك أن تكون مسلماً حقاً، تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وتعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، وتنصح لهم كما في الحديث: (الدين النصيحة) ، فينبغي أن يكون كل مسلم ناصحاً لكل إخوانه.
ويذكر بعض العلماء أن رجلاً جاء ليبيع دابة، فجاءه شخص وقال: أسألك: أتصلح لي هذه الدابة؟ قال: لو كانت تصلح ما بعتها، ما الذي حمله على هذا؟ إنها الأخوة في الله.
وذكروا قصة عن نبي الله سليمان عليه السلام، وهي أنه عندما أراد أن يبني بيت المقدس، أوحى الله إليه: (أن ابن لي بيتاً) قال: يا رب! وأين أبني ذلك البيت؟ قال: حيث ترى الفارس المعلم شاهراً سيفه، فرآه، فسأل عن صاحب هذه الأرض، فقالوا: لرجل من بني إسرائيل، فقال: أحضروه، فجاء، فقال: ثامني على أرضك هذه، فقال: بألف، قال: اشتريت، فقال: يا نبي الله! أستنصحك: الأرض خير أم الألف؟ قال: الأرض، قال: أقلني، قال: أقلتك، ثم قال: بألفين، قال: بعتك، ثم قال: يا نبي الله! أستنصحك الأرض خير أم الألفين؟ قال: الأرض، قال: أقلني، قال: أقلتك، وهكذا خمس مرات حتى وصلت إلى خمسة آلاف، وأخيراً قال له نبي الله: كم تريد فيها وأعطيك؟ سم أنت الذي ترضى! فقال: تملؤها عليَّ نعماً، إبلاً وبقراً وغنماً فأمر بني إسرائيل أن يملئوها له بما طلب! والشاهد قوله: (أستنصحك: الأرض خير أم الثمن؟ فقال: الأرض خير، فما الذي حمله على ذلك؟ إنه النصح.
ومن الإيمان: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنك إذا رأيت إنساناً على منكر لا ترضاه لنفسك، فلابد ألا ترضاه لهذا الشخص، وأن تخلصه منه، ولكن كيف تخلصه؟ هل تخلصه بالسوط والعصا؟ لا، إنما بما تحبه لنفسك، فلو كنت مثله، ورآك آخر، فبأي طريقة تريد أن ينهاك أو يأمرك؟ أتحب أن يزجرك ويسبك ويعنفك أمام الناس؟! أتحب أن يقبحك ويخرجك من الإسلام ومن الإيمان؟! لا والله! وكما يقول بعض السلف الصالح: إن الأتقياء الصالحين ينظرون بنور الله، يرون العبد على المعصية، فيكرهون العمل ويشفقون على العامل، وينصحونه بالرحمة والرفق؛ ولذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كالطبيب الحاذق الحليم؛ حينما يرى إنساناً مريضاً لا يربطه بالحبال، ولا يقيده بالقيود، ولكن يتلطف معه، ويبدأ بما يخفف إحساسه، وبما يلطف الطريق إليه، فيعطيه منوم، أو مسكن، ثم يفعل ما يشاء في علاجه، والمريض ربما يسبه وربما يتطاول عليه، ولكنه يتحمل ذلك في سبيل علاجه، والآمر بالمعروف أولى بالصبر من الطبيب: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] .
وبالتناصح سنجد الصدق، والأمانات ستؤدى إلى أهلها.
يقول العقلاء: إن مطامع العقلاء في الدنيا لأحد أمرين: إما لجلب نفع، وإما لدفع ضر.
لمنافع يسعى اللبيب فلا تكن بشيء دهرك ساعياً إذا أنت لم تنفع فضر فإنما يرجى الفتى كما يضر وينفعا تضر الخصم والعدو، وتنفع نفسك والصديق، فالإنسان العاقل ما دام يتصف بالعقل لا يسعى سعياً إلا لأحد أمرين: إما ليجلب نفعاً إليه، وإما ليدفع شراً عنه، وجاء الإسلام بهذين المبدأين، وزاد مبدأً ثالثاً ألا وهو: الحث على مكارم الأخلاق، فإذا كان لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فبالتالي يكره لغيره ما يكره لنفسه.
إذاً: كلما فيه جلب نفع أحبه للغير، وكلما فيه دفع ضر أحبه للغير، وقد اتفق العلماء والأصوليون والعقلاء من كل الملل على أن أهم ما يحافظ عليه الإنسان، ويسعى للحفاظ عليه، الكليات الخمس: الدين، والعقل، والجسم، والمال، والعرض، ويدخل فيه النسب.
فإذا أحببت أن تحفظ دينك: فأمرت بالمعروف، وانه عن المنكر؛ لتسعد بإنقاذ إنسان مما هو فيه، وإذا وجدت إنساناً في دينه أعلى منك اجتهدت أن تصل إليه، وإذا وجدت إنساناً أقل منك ساعدته حتى يصل إليك، وهذا من حفظ الدين، أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاهد نفسك لتؤدي حق الله عليك.
وحفظ العقل بأن تجتنب كل ما فيه مضرة على العقل، وكذلك تجنب غيرك أن يقع في مثل ذلك.
وكذلك حفظ البدن فكما تحب أن يحفظ بدنك من ضرب أو من جرح أو من إساءة بدنية فكذلك كف هذا عن غيرك.
وحفظ العرض: كما لا تحب أن يعتدى على عرضك، فلا تسمح لنفسك أن تعتدي على أعراض الآخرين.
وحفظ المال كما تحب أن تحفظ مالك من أي اعتداء، وتكره أن يغصبك أحد، فكذلك أحب الخير لغيرك في ماله.
ولو طبق هذا الحديث، فلا حاجة للمحاكم، إذا كان كل إنسان يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، فلن تكون هناك خصومة.
عمر رضي الله تعالى عنه طلب منه أبو بكر رضي الله تعالى عنه أن يلي أمر القضاء، ويكفيه مئونته، فمكث عمر سنة ثم جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه وقال: أغفني من القضاء، فقال له: لماذا؟ قال: لم يأت إليّ أحد! وليت على أمة كلٌ قد عرف ما له وما عليه، عرف ما له فلم يتجاوزه، وعرف ما عليه فلم يقصر فيه.
وما دام كل إنسان يمضي في خطه المرسوم له، فلن يعتدي على أحد، ولن يعتدي عليه، فلماذا المحاكم؟ ولماذا الشرطة؟! إذا: لو طبق الناس هذا الحديث وحده، لكان المجتمع الإنساني مجتمعاً مثالياً، فما أعظم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
ولعل في هذا القدر الكفاية لبيان معنى الحديث النبوي الشريف، وبالله تعالى التوفيق.
وصلى الله وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.