أول خطوة عملها عليه الصلاة والسلام عند بناء الدولة الإسلامية هي: المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم، وبين المهاجرين والأنصار، وكتب الاتفاقية العامة بينه وبين اليهود، وقد أعطت رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الحل والعقد فيما يتعلق بالمدينة، وكل ما شجر فيها فمرجعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد استطاع النبي عليه الصلاة والسلام أن يؤاخي بين المسلمين، حتى صار في فجر الإسلام يستظل بمظلة الإسلام الكبرى شتى الجنسيات المختلفة، فهنا سلمان الفارسي، وهنا بلال الحبشي، وهنا صهيب الرومي، والكل يعيش في ظل راية الإسلام، وتحت مظلة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
أما العالم اليوم فقد دمر بالحروب وبالتفرقة العنصرية، وتمزق بالتعصب الشخصي أو الحيدة والمصلحة الخاصة، ولكن الإسلام بتعاليمه يذيب الفوارق بين تلك الجنسيات فيعيش الحبشي والرومي والفارسي والعربي والعجمي جميعاً تحت مظلة الإسلام، قال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ، ويقول الإمام علي رضي الله تعالى عنه: الناس من جهة التكوين أكفاء أبوهمُ آدم والأم حواء فإن يكن لهم من أصلهم نسب يفاخرون به فالطين والماء إذاً: الإسلام يذيب الفوارق ويجمع الشتات، ويربط الجميع بأخوة واحدة، ويصبح هذا التآخي بمثابة التلاحم، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] ، ويقول صلى الله عليه وسلم: (المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً) ، ويقول: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) ، كيف فعل الإسلام ذلك؟ أشرنا إلى عنصرين أساسيين هما: - الروح.
- الجسد.
يقولون: الإنسان حيوان ناطق، والحيوانية مبناها على الحياة بالأكل والشرب، فهو حيوان كسائر الحيوانات: يأكل ويشرب، ويجوع وينام، والنطق هي الملكة التي بها تميز عن غيره، كالصهيل للفرس، والنهيق للحمار، إذاً: هذا الفصل عن الجنس، والله كرم الإنسان بالقوة المخيلة، والذاكرة، والعقل الذي به يدرك خطاب الله لخلقه.
إذاً: الإنسان جسدٌ وروح، والجسد بدون الروح لا قيمة له، يكون جثة هامدة، والروح بدون الجسد ناقصة؛ لأنها ساكنة في الجسم، ولابد للساكن من بيت يسكن فيه، وإذا انهدم هذا البيت صعدت الروح إلى بارئها.
إذاً: الإنسان من مادة وروح، (جسم وروح) ، فالإسلام آخى بين المسلمين على هذين العنصرين: أما العنصر المادي فهو -كما أشرنا-: رد الإنسان إلى أصله الأول: {خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات:13] ، وكما قال علي رضي الله تعالى عنه: (من ماء وطين) ، هذه هي الناحية المادية: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا} [نوح:17] .
أما الناحية المعنوية، وهي الروح والعقل والإيمان، فهي نعمة من الله: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران:103] ، ولما أوجد الله هذا الكيان الإنساني، جاء الإسلام بروافد تغذي تلك النبتة القوية التي أصلها ثابت وفرعها في السماء.
فمنع وحرم كل إيذاء بين بني البشر: من القتل، والسرق، والضرب، بل منع من السخرية والهمز واللمز، وأوجب روافد الخير: من التآخي، والتزاور، والهدايا، وصلة الأرحام، وو إلخ، وكف عنها آفات الفرقة بالاعتداء والخصومة، وسلط عليها روافد النمو من الأخوة والمحبة والموالاة والزيارة إلى غير ذلك.
والخلاصة: منع الإسلام من كل آفة تعيق نمو المحبة، وشرع روافد الخير التي تغذيها حتى تنميها وتؤتي ثمارها في كل حين.