وإذا كان الحديث السابق يبين حسن الإسلام، فهذا الحديث يبين كمال الإيمان، وقد جاء في هذا المعنى أحاديث عديدة، وقوله: (لا يؤمن أحدكم) (لا) نافية، تنفي الإيمان عن أحد، وأحد نكرة أضيفت للمخاطب، فتعم جميع آحاد الناس، والإيمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره) ، وهذا الحديث ينفي كل أركان الإيمان الستة، وهل يكون قد خرج عن عداد المؤمنين أو المعنى: لا يؤمن إيماناً كاملاً؟ لا يؤمن إيماناً كاملاً كما جاء في سورة الحجرات: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] ، وعند علماء اللغة أن (لما) تشترك مع (ما) في النفي، إلا أن (لما) تدل على أن المنفي هو في سبيل إتمامه، تقول: أثمرت النخلة ولما ترطب، أثمرت الشجرة ولما تينع، أي: ينضج ثمرتها، أي: أنها في طريق النمو، وفي طريق اكتمال النضج، وكذلك الأعراب، أسلموا، وبوادر الإيمان في طريق اكتمالها، فقوله: (لم تؤمنوا) أي: لم يكتمل إيمانكم، وبقي مراحل حتى يكتمل، ولذا حملوا النصوص التي ترد بهذا المعنى على نفي كمال الإيمان كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) ، وليس المراد أنه انتفى عنه الإيمان وخرج عن مسمى المسلمين، لا، بل جاء في الحديث الآخر: (يكون الإيمان عليه كالظلة حتى يرجع عن ذلك أو ينتهي منه) ، فالإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
هذا الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) نقيسه بالشمول وعموم الإسلام كله، (حتى يحب لأخيه) ، وليس المراد بأخيه ابن أمه وأبيه أو أخوه من الرضاع أو أخوه لأب أو لأم، بل المراد أخوة الإسلام {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ، وقال بعض العلماء: الأخوة في الإنسانية أعم من الأخوة في الإسلام؛ لأن الواجب عليك لو رأيت كافراً مشركاً -وتعلم أن نهاية الكفر والشرك إلى النار وأنت تكره ذلك- أن تحب له الإسلام لينجو من النار كما تحب ذلك لنفسك، فبعض العلماء وسع نطاق الأخوة، وجعلها في الجنس البشري، وبعضهم يقصرها على الأخوة الإسلامية.