إذا وجدت شيئاً من مخلوقات الله ليس طيباً في نظرك، فهو طيب عند الله؛ لأن وراءها من الحكم ما هو طيب.
فالإنسان في الأصل أنه سوي، وخلقه الله في أحسن صورة (في أحسن تقويم) ، فإذا وجدت إنساناً ذا عاهة وعيب، فأنت تشفق عليه، وترى أنه ناقص عن غيره، ولكن الله سبحانه وتعالى قد جعل لهذا الشيء حكمة، وفيها من الطيب ما لا تدركه أنت، ففي الآخرة يكرمه ويعوضه، ويعطيه الشيء الكثير، بل يجعله موجباً لشكر نعمته على غيره من الأصحاء، فأنت إذا رأيت إنساناً مريضاً، فمرض هذا المريض يجعلك تشعر بالصحة، كما قالوا: (وبضدها تتميز الأشياء) ، وإذا وجدت إنساناً فقيراً فقراً مدقعاً، فاعلم أن هذا الوضع عند الله طيب، وقد جاء في الحديث القدسي، (إن من عبادي من لا يصلحهم إلا الفقر، ولو أغنيتهم لفسد حالهم) .
-كما قال الله: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6-7]- (وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لفسد حاله) ، مع أن الله قال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] .
إذاً: كل وضع في الخلق فهو من الخالق طيب، لماذا؟ لأنه من الله، ومن هنا: كان من أركان الإيمان: الإيمان والرضا بالقدر فيما وقع بك، وفيما نزل بك، فتعلم أنه طيب؛ لأنه من الله، وتعلم بأن الله عالم وقادر وغني، فإذا أمسك عنك شيئاً؛ فليس ذلك لفقر، ولا لعجز، ولا لجهل، ولكن لمصلحتك، {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] ، فكل شيء ابتلاء من الله.
إذاً: معنى (إن الله طيب) : أي: طيب في ذاته، فلا يعتريه نقص سبحانه، طيب في أفعاله فلا يصدر عنه إلا الطيب، فارضَ بما كتب الله لك.
إذا علمت هذا، لوجدت أن كل إنعام المولى على العالم، وكل فضله على الخلق مندرجاً تحت قوله: (إن الله طيب) ، يعلم ذلك من يعلم، ويغفل عن ذلك من يغفل، ولا يستطيع إنسان أن يدرك كل معاني: (إن الله طيب) ، واعلم أن أسماءه الحسنى كلها طيبة {وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الأعراف:180] .
وهذا المجال يكفي فيه مجرد الإشارة والتنبيه، ولا نستطيع أن نوفيه حقه.