قوله عليه الصلاة والسلام: (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم) أي: الأسئلة التي تؤذي إلى الخلاف؛ ولذا لما حج عثمان رضي الله تعالى عنه وأتم الصلاة في منى، جاء ابن الزبير إلى ابن مسعود وقال: (أرأيت ما فعل الرجل؟! قال: يا ابن أخي! إن صليت في رحلك فاقصر الصلاة، وإن صليت خلفه فأتم الصلاة، ولا تخالفنه فالخلاف شر كله) ، وفرق بين مخالفة واختلاف، الاختلاف في الرأي في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها، أو فيها نصوص متعارضة، أو فيها مجال سائغ للنظر، فهذا لا يمكن لإنسان أن يرده، والرسول صلى الله عليه وسلم أقر المختلفين في قضية واحدة في صلاة العصر في بني قريظة، أما مخالفة النص الصحيح الصريح الذي لا معارض له، فهذا مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله.
إذاً: في هذا الحديث بيان موقف المسلم من الأمر والنهي، والأصوليون يأخذون من هذا الحديث قاعدة للجمع بين المتعارضين، وهي: أيهما نقدم؟ ويتفق العلماء على تقديم جانب الحظر كما ذكر ابن دقيق العيد في قضية تحية المسجد بعد العصر، وأطال النقاش في ذلك، وأورد الأدلة ثم قال: تعارضت الأدلة في الجانبين، وليس لدينا مرجح من تلك النصوص، فنأتي بمرجح من الخارج ألا وهو: إذا تعارض مبيح وحاظر قدمنا جانب الحاظر على المبيح؛ لأن مقتضى الحظر: أن تقع في محظور أقله الكراهية، ومقتضى الطلب: إن لم يكن واجباً فهو مندوب، فلأن تترك مندوباً وتسلم من مكروه أولى من أن ترتكب مكروهاً من أجل تطبيق مندوب، والأصوليون يستدلون بهذا الحديث على هذه المسألة.
وننصح طلبة العلم خاصة بترك الملاحاة في السؤال، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتاً في الجنة) .