ثم قال صلى الله عليه وسلم: (فإنما أهلك من كان قبلكم: كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم) ، ما مناسبة قوله: (أهلك من كان قبلكم ... ) مع قوله: (اجتنبوه وافعلوا ما استطعتم) ؟ يقولون: سبب ورود الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم خطب الناس وقال: (إن الله فرض عليكم الحج فحجوا، فقام رجل فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟! فسكت عنه، فأعادها الرجل مرة ثانية، ثم أعادها ثالثة، فقال: لا، في العمر مرة، ولو قلت: نعم، لوجبت ولما استطعتم فكفرتم، دعوني ما أمرتكم) ، أي: الذي أسكت عنه اتركوه (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم) ، إذاً: الحديث له سبب، ولذا ذكر ما يتعلق بالسؤال عقب الكلام على الأمر والنهي؛ لأن جواب السؤال سيكون أمراً أو نهياً.
وقوله: (فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم) ، هل كثرة سؤالهم وحدها أو اختلافهم على أنبيائهم مرتبط بكثرة أسئلتهم؟ يعني: هل نأخذ كثرة أسئلتهم وحدها ونفصلها عما بعدها أم أنها مرتبطة بما بعدها وهو (واختلافهم) ؟ الجملتان مرتبطتان؛ ولذا لا تؤخذ الجزئيات كلمة كلمة، لكن تؤخذ الجملة في إطار كامل.
إذاً: السؤال إما أن يكون مؤدياً لاختلاف أو يؤدي إلى علم.
وبمعنى آخر: السؤال إما يكون استفتساراً للعلم والمعرفة، وإما يكون تعنتاً وتعجيزاً.
فالأسئلة التعنتية والتعجيزية ليست من شأن أهل الدين، وليست من شأن طلبة العلم، بل كانت سبباً في إهلاك الأمم؛ لأنها أدت إلى اختلاف الأمة مع أنبيائها، أما الأسئلة الإيضاحية لأجل الفتوى أو لأجل التعليم، فهي من منهج التعليم الصحيح.