تأتي الشبهة الكبرى التي قال بها أصحاب هذه الدعوى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] ، فإذا كان لا إكراه في الدين، فكيف تقاتلونهم وترغمونهم على الإسلام؟ وبرجوعنا إلى كتب التفسير عند السلف، نجد أن القرطبي يقول: فيها ستة أوجه للعلماء: الوجه الأول: أن الآية كانت في بادئ الأمر من باب المسالمة، ثم نسختها آية السيف على القاعدة العامة عند المفسرين.
الوجه الثاني: كان الأوس والخزرج قبل الهجرة وقبل الإسلام في عهود مع اليهود، فكانت المرأة المقلاة، -أي: التي لا يعيش لها ولد- تنذر إن عاش لها ولد أن تجعله يهودياً؛ لأنهم كانوا يرون أن دين اليهود خير مما هم عليه من الوثنية.
والوجه الثالث: أن المرأة من الأوس والخزرج ربما أرضعت ولدها من يهودية، أي: وجد ترابط بين الأوس والخزرج واليهود، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود من المدينة، أراد اليهود أن يأخذوا أولئك معهم، وأراد آباؤهم الأصليون أن يمسكوهم عندهم، فجاءت الآية بالتخيير وليس بالإكراه.
وجاءت أوجه عديدة غير ذلك، ولكن خير ما يقال: القاعدة الأولى: (كل آية موادعة نسختها آية السيف) ولو أننا عملنا بآية: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة:256] اليوم لفسد العالم، بمعنى: أن الدين جنسية وانتماء، فالإنسان إذا انتمى إلى الإسلام أصبح له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين، وبالنسبة لغير المسلمين فهو متميز عنهم ولا ينتمي إليهم، يشبه ما فيه العالم اليوم من التمايز إلى دول وتابعيات، فلو أن شخصاً الآن جاء من موسكو إلى واشنطن وأخذ جنسية أمريكية، وأصبح له ما للأمريكان في بلادهم، ثم انقلب إلى روسيا وجاء أمريكي إلى روسيا، ثم انتقل إلى غيرها، وأخذ من كل بلد ما يريد وينتقل فيها حيثما شاء، لضاعت جنسيات الأمم، وضاعت مصالحها فيما بينها، ولو أنه أجرم هنا، ثم انتقل هناك، وأجرم هناك، ثم انتقل إلى هنا، وكان تبعاً لدولة من الدول، بعيداً عن أن ينال عقاب على جريمته، وهنا في الإسلام وغير الإسلام أحكام شرعية وحقوق دينية، فلو أن غير مسلم أسلم، أو جاء وقال: إنه مسلم، فتزوج امرأة مسلمة، وورث من أقارب مسلمين، ثم انتقل إلى النصرانية، أين تذهب الزوجة المسلمة؟ ولو ذهب إلى النصارى وصار نصرانياً وتزاوج منهم، وورث منهم، ثم انتقل إلى اليهودية، لو حدث مثل هذا الأمر، مع عشرة أشخاص من كل جيل في كل شهر لماعت الحقوق وضاعت.
إذاً: كون الإنسان حر في اعتقاده هذا ليس صحيحاً، والدين لله ولا يترك للأفراد أن يتلاعبوا به، إذا شهد أن لا إله إلا الله وشهد أن محمداً رسول الله، أصبح ملتزماً بهذا العهد المنصوص في هاتين الشهادتين، فإن نكث قُتل.