قال: (عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام) ، وما هو حق الإسلام الذي يفك العصمة ويرفعها عن الدماء والأنفس؟ قالوا: ترفع العصمة عن ثلاثة: قاتل النفس غير معصوم الدم؛ لأن فيه القصاص، والمرتد عن دينه عياذاً بالله غير معصوم النفس، والثيب الزاني لأنه يرجم، عصمت الدماء جميعاً إلا بواحدة من تلك الثلاث: الثيب الزاني؛ لأنه يرجم، وقاتل النفس؛ لأنه يقتل قصاصاً، والمرتد عن دينه المفارق للجماعة، وحق الإسلام في هذه الثلاث.
قال: (وحسابهم على الله) أقبل وأكف وأعصم الدماء والأموال بتلك الأمور الظاهرة، والتي هي نطق يسمع، وصلاة تشاهد، وزكاة تدفع، فهذه كلها أمور ظاهرية ظاهرة واضحة والكل يشهدها.
(حسابهم على الله) في أي شيء؟ في نطقهم بالشهادتين، أكانت عن يقين واعتقاد واستسلام، أم عن نفاق، فهذا حسابه على الله، ولذلك فإن أسامة بن زيد حينما قتل رجلاً بعد أن قال لا إله إلا الله وقال: (إنما قالها خشية السيف أو تحت السيف، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: أشققت عن قلبه) .
إذاً: أنت لست مسئولاً عما يكنه في داخله {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ} [البقرة:9] {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء:142] هذا أمر معاملة بينهم وبين الله لا تقوى أنت على تصفيتها، كالذي يأتي المسجد ليصلي، هل كانت صلاته حقيقة خالصة لله، أو جاء لشيء؟ صلى وصام لشيء كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام إذاً: (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) .
عندما يدفع المزكي زكاته هل يدفعها على أنها مغرم ويسلمها ليسلم، أو يدفعها معتقداً بأن الله سيخلفها عليه، وأنه يقرض الله قرضاً حسناً؟ مرد كل ذلك إلى الله.
وهنا يقف كثير من العلماء -وهو محل وقوف حقاً- فيقولون: إن ولي أمر المسلمين له ظواهر أحوالهم، ولا يحق لأحد أن ينقب ليكشف عما يبطنون أو يخفون، وليكل أمرهم إلى الله، ولذا كان معاوية رضي الله تعالى عنه يقول: من تتبع أحوال الأمة أفسدها.
ولذا نقول لأولئك الإخوة الذين يتتبعون عثرات الناس، وهفواتهم ليكشفوها: احذروا أن يكشف الله الستر عنكم، وقد جاء عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن رجل يفعل منكراً: ماذا يصنع معه؟ قال: عظه ومره بالمعروف، وانهه عن المنكر، فإذا لم يمتثل لا ترفع أمره للسلطان لتستعديه عليه.