قال: (إن أحدكم -أي فرد من بني البشر- يجمع خلقه في بطن أمه) البطن داخله الرحم، وهذا من النطق بالأعم، ووجود الأعم يقتضي وجود الأخص، أي: أنه يدل عليه، وأخبر بالكل وأراد البعض.
(يجمع خلقه) يقول بعض العلماء: الجمع هو توحيد المفترق، وهو ضم الأفراد والأجزاء بعضها إلى بعض، فإما أن يراد بداية الجمع وهي النطفة؛ لأن النطفة من الرجل تجمع من جميع جسمه كما قال بعض العلماء من تحت الشعرة، وكما تأتي المشابهة في الطول أو القصر أو اللون أو غير ذلك، أو يجمع في أطواره، طوراً نطفة، وطوراً علقة، ثم مضغة، ثم يأخذ طريقه في بقية الأطوار حتى الولادة.
(يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة) وفي بعض الروايات: (أربعين ليلة) ولا منازعة في ذلك، فاليوم يقتضي الليلة، والليلة تقتضي اليوم، والنطفة: هي الماء الخالص أي القليل، تقول: نطف الماء إذا فاض، والنطفة هنا هي المني، ويقال في العلم: إن الحديث الملي متر المكعب يحتوي على ملايين الحيوانات المنوية، ولا يلقح بويضة المرأة داخل الرحم إلا واحد فقط من تلك الملايين، ووجود هذا الكم الهائل منها يؤدي إلى بقاء النوع، وهذه قضية مطردة في كل ما خلق الله من النبات والحيوان وغير ذلك، فإذا جئت إلى عالم النبات تجد حبة الطماطم فيها الكثير من البذور؟ والبذرة الواحدة تنبت شجرة، وتثمر عشرات الحبات، وفيها آلاف البذور، لكي يبقى النوع ويمكن أن ينمو، ويمكن أن يزرع ويعاد إلى ما شاء الله، ولو كانت الشجرة تنبت حبة واحدة ربما تلفت وضاعت.
وتأتي إلى الحيتان فتجد في السمكة الواحدة آلاف بل ملايين البويضات الصغيرة، كل هذه تنشأ عنها حيتان صغيرة، وهكذا، ويستثنى من ذلك الطيور، فالأنثى لا تنتج إلا حبة واحدة، لكن تتكرر البيضة كل زمن معين.
إذاً هذا الحيوان -النطفة- يجمع منه في بطن الأم واحداً من تلك البلايين، يقول بعض العلماء المتأخرين: لو أن حيوانات المني التي تلقح منها البويضات جمعت من عهد آدم وحواء إلى أن تقوم الساعة لم تملأ كستبان الخياط، يعني: لا تزيد عن اثنين سنتيمتر مكعب، هذه قدرة الخالق سبحانه، وهذا الحيوان الذي لا يرى إلا بالمجهر جعل الله فيه خصائص الشخص وطبائعه وأشكاله وغرائزه من بخل أو كرم، وشجاعة أو جبن، ولون، وطول، وشبه، كل ذلك يولد مع الإنسان في ملايين من تلك الحيوانات، وهذا ما يسمى في لغة العلم الأحيائي بالجينات.