(عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه) وابن مسعود هذا من أوائل المسلمين قيل: كان سادس رجل مسلم، وكان سبب إسلامه: أنه رأى معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم حالاً: (كان غلاماً يرعى غنماً لرجل عنده، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فقال: هل عندك من لبن؟ قال: نعم، قال: اسقنا، قال: إني مؤتمن -أي: لا أملك أن أسقيكم من مال غيري، وهذه أمانة الأجير، فقد كان فعل ابن مسعود هذا قبل أن يسلم، وإنما حمله على ذلك المروءة والإنسانية.
فقال له صلى الله عليه وسلم: هل عندك من عنز لم ينزها الفحل؟ قال: نعم، قال: ائتني بها.
فجاءه بعنز لم يطرقها الفحل ولم تحمل، فأخذها صلى الله عليه وسلم ومسح بضرعها، ودعا الله، فامتلأ الضرع لبناً، فحلب فشرب وسقى أبا بكر رضي الله تعالى عنه، ثم قال للضرع: اقلصي.
فرجعت كما كانت لا لبن فيها، فلما رأى ذلك عبد الله شهد بأن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله) .
وكان من أعلام الصحابة وعلمائهم، يقول: (والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم فيما نزلت؟ وأين نزلت؟ ومتى نزلت؟ ولو أني أعلم رجلاً أعلم بذلك مني تصله المطية لرحلت إليه) .
وجاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه وقال: (إن عندنا رجلاً يملي المصحف من رأسه! فغضب عمر واشتد غضبه، ثم قال: ويحك من هذا؟! قال: ابن مسعود، قال: فسكن غضبه، وقال: ما من أحد اليوم أحق بذلك منه) .
وكان رجلاً نحيف الخلقة، دقيق الساقين، فذهبوا مرة يجمعون بعض ما يكون في شجر الأراك، فكشفت الريح عن ساقه وهي دقيقة، فضحك من رآها، فقال صلى الله عليه وسلم: (علام تضحكون؟ قالوا: لدقة ساق ابن مسعود يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من هذا! والله إنه عند الله لأثقل من جبل أحد) .
ويذكرون عنه الشيء الكثير في كرمه وأدبه وأخلاقه، وكان أشبه الناس آداباً بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أمين سره وصاحب نعليه ووسادته في السفر، وله المناقب العديدة.