هنا يقف العلماء للتنبيه والتأكيد على كل طالب علمٍ: أنه إذا سئل عن شيء لا يعلمه أن يقول: لا أعلم؛ فهذا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم يأتيه الوحي في الصغيرة والكبيرة، جاءه جبريل على أذىً في نعله وهو يصلي، يأتيه جبريل في كل ما يريد الله إبلاغه إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك، بدل أن يقول: لا أعلم، قال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) ، يعني: لا تطمع في جواب من عندي.
ولذا كان علي رضي الله تعالى عنه يقول: (ما أشد بردها على قلبي، أن أسأل عما لا أعلم فأقول: لا أعلم) .
ويذكر العلماء عن مالك رحمه الله: أنه سئل عن أربعين مسألة جاء بها الآتي مسافراً يشد الرحل إليه، فيجيبه عن أربعة فقط، ويقول في الباقي: لا أعلم، فيقول له: ومن يعلم إذا لم تعلم؟ وكيف لا تعلم؟! فقال له: ارجع وأخبر كل من وراءك أن مالكاً لا يعلم.
وهكذا ابن مسعود يقول: (قد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع) ، ولهذا من أسلم ما يكون لطالب العلم عند عدم المعرفة بالمسئول عنه أن يبرأ إلى الله ولا يحمل ذمته أن يقول بما لا يعلم.
وهذه السنة النبوية، وهذا موقف الخلفاء الراشدين وأئمة المذاهب رحمهم الله وسائر العلماء، والعاقل لا يتخطى ذلك، لا تقل اليوم بشيء لا تعلمه، وربما تأخذ السؤال على أنه علم، ثم ينكشف الغيب فيما بعد بأنك قد أخطأت فيما قلت وأنك قلت بما لا تعلم، فكيف يكون الموقف؟ وفرقٌ بين من يتعمد القول فيما لا يعلم بأنه يعلم، وبين من يجتهد فيما إذا كان الموقف موقف اجتهاد ولديه أداة المجتهد؛ فيبذل الوسع ثم يقول بما وصل إليه علمه.