"قال: صدقت قال فأخبرني عن الإحسان" المرتبة الثالثة من مراتب الدين التي لا يتصف بها إلا الأفذاذ من أهل هذه الملة، مرتبة الإحسان، مرتبة المراقبة، "قال: فأخبرني عن الإحسان؟ يعني إذا كانت دائرة الإيمان أضيق من دائرة الإسلام، فدائرة الإحسان أضيق بكثير من دائرة الإيمان؛ لأنا إن ننظر إلى الحد قال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، ((أن تعبد الله كأنك تراه)) يعني تراقب الله -جل وعلا- وتستحضر اسمه الرقيب، فمنزلة المراقبة لا تحصل لكل أحد؛ لأن الغفلة غطت على قلوب كثير من الناس، تجد الجسم في المسجد والقلب في الشارع، في السوق، في البيت، في التجارة، في الزراعة، في الدراسة، القلب حضوره قليل عند كثير من الناس في هذا الوقت، والعبرة به بالقلب وخطاب الشرع جميعه متجه إلى القلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] فلا بد من المراقبة، مراقبة الله -جل وعلا- فإنه هو المطلع على السرائر، {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [(7) سورة طه]، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [(19) سورة غافر] فعلى الإنسان أن يراقب الله -جل وعلا- وأن يعبده بمرتبة الإحسان: أن يعبد الله كأنه يراه، كأنه يرى الله -جل وعلا- عياناً، إذا لم يستطع مثل هذا، ولم يتيسر له تحقق هذا الأمر، فأقل الأحوال أن يتصور أن الله يراه، ويطلع عليه، ويطلع على سريرته وعلانيته، فيتعامل معه على ضوء هذا، يعني لو أن الإنسان، الإنسان في مكتبه وقد أغلق الباب يتصرف بما شاء، نعم في مكتبه وقد أغلق الباب قد يحدث وهو في مكتبه ما دام ما عنده أحد، لكن يفترض أنه فجأة دخل عليه المدير، أو المدير بجانبه وهو يعمل ويعمل بما وكل إليه، هل يستطيع أن يخل بشيء من الآداب والمروءة فضلاً عن الواجبات التي وكلت إليه، لا يستطيع، ولا تجعل كما يقول بعض السلف: لا تجعل الله أهون الناظرين إليك.