رأسه عمامة وبيده عمامة، والآخر أصلع ما عليه شيء، ادعى هذا الأصلع الذي ما على رأسه شيء أن هذا أخذ عمامته، في هذه الصورة يقوى جانبه، جانب المدعي، وما جرت العادة أن الإنسان يلبس عمامة وبيده عمامة، وجرت عادة هذا الشخص أنه لا يمشي إلا بعمامة، وقل مثل هذا في اختلاف الأعراف، لو أن شخصاً جاء حاسر الرأس، وشخص على رأسه شماغ، ومعروف أن هذا ليس من عادته أن يلبس الشماغ، وليس من عادة ذاك أن يحسر الرأس، يقوى جانبه، ولو كان العكس أن هذا الذي عليه شماغ جرى عرفهم وعادتهم في بلدهم واستمر على ذلك أنه يمشي حاسر الرأس، والثاني ما جرت العادة أنه يمشي حاسر الرأس، المقصود أن القرائن القوية تنزل منزلة البينات عند ابن القيم وجمع من أهل العلم، وإلا فالأصل أن البينات محددة في كل باب من أبواب الدين، منها ما يكون بشهادة رجلين، ومنها ما يكون بشهادة أربعة، ومنها ما يكون بشهادة رجل وامرأتين، ومنها ما يقبل فيه قول المرأة، ومنها ما يقبل فيه قول الرجل إذا ادعى على زوجته وهكذا، الأمور مفصلة في باب الدعاوى والبينات من كتب العلماء، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر، إذا لم يحضر المدعي البينة طلب القاضي من المدعى عليه أن يحلف، افترض أن هذا المدعى عليه نكل عن اليمين، وقال: أنا ما أحلف، حطام الدنيا كله ما يسوى عندي أن أحلف بالله -جل وعلا- ولو كنت صادقاً، من أهل العلم من يحكم عليه بالنكول، ومنهم من يرد اليمين على المدعي، ما عندك بينة ما عندك بينة، احلف يا فلان، والله ما أنا بحالف، الدنيا كلها ما تسوى اليمين، طيب ترضى بيمين صاحبك؟ خلاص يرضى، منهم من يحكم عليه بمجرد النكول، ومنهم من يقول: ترد اليمين على المدعي، والمسألة خلافية، ولا شك أن رد اليمين على المدعي أقوى من مجرد الحكم بالنكول؛ لأنها قبلت في طرف، فلما رفض هذا الطرف الذي اكتفي بها منه تحول على الثاني، مع أن الإمام مالك -رحمه الله- قال: لا أعلم أحداً قال برد اليمين، مع أن القضاة في عصره كابن أبي ليلى وابن شبرمة يقولون برد اليمين، ولا شك أن كون المدعي يحلف أسهل من كونه يأخذ ما ادعاه من غير بينة ولا يمين.