فهل نقول: أن هذا الحديث قبل فرض الصيام والحج؟ كما في حديث بعث معاذ إلى اليمن، ((فليكن أول ما تدعوهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، ثم إن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات, فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم)) وما ذكر الصيام ولا الحج كما هنا سواء بسواء، من الشراح من يقول: إن هذا كان قبل فرض الصيام, وقبل الحج، ومنهم من يقول: إنه إذا أذعن واعترف لله بالوحدانية, والألوهية, ولرسوله بالرسالة, وأدى الصلاة التي تتكرر في اليوم الواحد, وهي عمود الدين، أقامها ودفع الزكاة جاد بماله, فإنه في هذه الحالة إذا أدى ذلك فإنه لن يتردد في صيام شهر في السنة, أو حج في عمره مرة واحدة، ولا شك أن الحديثين فيهما الدلالة على أن الأهمية لما ذكر أكثر مما لم يذكر، لكن يبقى أن مما لم يذكر الصيام, والحج، وهما من أركان الإسلام وقد تقدم حديث عبد الله ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان)) , أو صوم رمضان والحج على الخلاف بين الروايتين على ما تقدم شرحه.
((فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم)) بعض من منع الزكاة تمسك بشبهة وهي أن الزكاة إنما هي مقرونة بوجوده - عليه الصلاة والسلام - ولا تطلب بعد وفاته استدلالاً بقوله - جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: 103] خذ من أموالهم صدقة، فإذا كان الأمر متجه إلى - النبي عليه الصلاة والسلام - فغيره لا يقوم مقاومه, وهذه قد تكون شبهة حتى تُجلى، وإن كانت الشبهة ضعيفة، الشبهة ضعيفة واهية؛ لأن الزكاة ركن من أركان الإسلام باقية إلى قيام الساعة، ومن يقوم مقامه - عليه الصلاة والسلام - في جميع الأمور، يقوم مقامه في أخذ الزكاة.