((ولرسوله))، النصيحة للرسول - عليه الصلاة والسلام-، يعني: كونه يشار إليه بمقتضى الحكمة إذا استشار هذا ظاهر، وإلا فقد يقول قائل: كيف يتم النصح لله - جل وعلا-، وكيف يتم النصح لكتابه، وكيف يتم النصح لرسوله - عليه الصلاة والسلام- ونحن إنما نتلقى الهدى الذي منه النصح من الله, وكتابه, ورسوله؟ النصيحة على الوجه الذي ذكر لا إشكال فيه، ليس معنى أن الله - جل وعلا - بحاجة إلى أن ينصح ويوجه كما أن المخلوق بحاجة إلى ذلك، والكتاب الكامل الشامل، الذي من قام يقرؤوه كأنما خاطب الرحمن بالكلم, هذا ليس بحاجة إلى نصح بمعنى: تسديد فهو الكامل الذي لا يحتاج إلى تسديد؛ لأن أصل النصح التخليص من الشوائب, أو إزالة النقائص، كالخرق بالثوب بالخياطة ونحوها، والله - جل وعلا - وكتابه ورسوله ليسوا بحاجة إلى النصيحة بهذا المعنى, وإنما النصيحة لهم بالمعنى الذي تقدم، النصيحة للرسول - عليه الصلاة والسلام - باعتباره بشر ينوبه ما ينوب البشر، ويعتريه ما يعتري البشر، النص ظاهر, يعني: استطب - عليه الصلاة والسلام -، وطب غيره واستشار في الحروب، وأشير إليه, وحينئذ يجب بذل النصيحة، وإذا حرم الغش لآحاد الناس, فلن يحرم بالنسبة له - عليه الصلاة والسلام - من باب أولى, هذا من هذه النواحي وهي أمور يسيرة، لكن هل النبي - عليه الصلاة والسلام - باعتباره مؤيداً بالوحي هو بحاجة إلى نصيحة آحاد الناس، فيما استشار فيه - عليه الصلاة والسلام، لا شك أنه مأمور بالمشورة، وأن المستشار لا بد أن ينصح له من هذه الحيثية، وما عدا ذلك فالمراد بنصيحته الإيمان به, والاقتداء, والائتساء به, واعتقاد أنه معصوم فيما يبلغ به عن الله - جل وعلا -, وأنه أكمل الخلق, وأعظم الخلق, وأكرم الخلق, وأتقاهم, وأخشاهم لله - جل وعلا -، واعتقاد تعظيمه من غير غلو يخرجه, من كونه عبداًً لله - جل وعلا - رسولاً منه، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [سورة الإسراء: 1] لا يجوز أن يصرف له باسم التعظيم شيء من حقوق الرب - جل وعلا -، لا له ولا لغيره, وإنما اعتقاد كماله البشري، وإلا فقد قال - عليه الصلاة والسلام-: ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع))، فهو بشر من هذه