وصفت الحسنة التي تحصل لكون الإنسان هم بالحسنة ولم يعملها بأنها كاملة لئلا يتوهم نقصانها، وذلك لأنها كانت بمجرد هم وليس هناك عمل، فمن فضل الله عز وجل أنه جعل الثواب على ذلك حسنة كاملة.
وإذا عملها كتبت له عشراً إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وفي هذا بيان الفرق بين كون الإنسان ينوي ولا يعمل، وكونه ينوي ويعمل، فإن الأول لا مضاعفة فيه، والثاني فيه المضاعفة إلى عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة، وهذا واضح.
وأما الحديث الذي فيه: (نية المؤمن خير من عمله) فهو يخالف ما جاء من التفصيل في هذا الحديث الذي معنا، فهو حديث ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح.
وعلى هذا فلا شك أن الإنسان الذي ينوي ويعمل أفضل من الإنسان الذي ينوي فقط؛ لأن الإنسان بمجرد نيته يحصل على حسنة كاملة إذا لم يعمل، وإذا عمل فإنه يحصل على عشرٍ، أو يضاعف الله عز وجل له إلى سبعمائة ضعف وإلى أضعاف كثيرة.
وقوله: (وإذا هم بالسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة) وهذا فيما إذا كان تركها من أجل الله، ووصفت بأنها كاملة -أيضاً- لبيان فضل الله عز وجل ولئلا يتوهم نقصانها؛ لأنها ما حصلت في مقابل عمل، وإنما حصلت في مقابل ترك، وهو كون الإنسان هم بمعصية وتركها، فالله تعالى يكتبها حسنة.
وإن عملها كتبت سيئة واحدة، ووصفت بواحدة من أجل بيان أن السيئات لا تزاد، وأن الإنسان لا يخاف أن تزاد سيئاته، بل الأجر يضاعف، وأما السيئات فإن السيئة بمثلها ولا تضاعف، كما قال الله عز وجل: {فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه:112] لا يخاف هضماً أي: نقصاً من الحسنات، ولا ظلماً وذلك بالزيادة في السيئات، وإنما يحصل الفضل والجود والكرم بالثواب والجزاء على الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة، وأما السيئة فإنما تكتب بمثلها، فمن هم بالسيئة وتركها من أجل الله يجد عليها أجراً واحداً من أجل أنه تركها لله، وإن عملها كتبت سيئة واحدة.