قوله: (وإنما لكل امرئ ما نوى) يعني أن الإنسان يحصل من الثواب والأجر على نيته؛ فإن العمل لا بد فيه من نية، والإنسان يحصل الأجر والثواب على حسب ما نواه.
ثم إن هاتين الجملتين (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) قاعدتان عامتان، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدهما مثالاً يوضح المقصود، وأن الأمر يتبع النية، وأنه متعلق ومرتبط بها، وذلك المثال هو الهجرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله).
أي: إذا كان قصده حسناً -وهو الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام من أجل أن يأتي بشعائر دينه، ومن أجل أن يحافظ على دينه، ومن أجل أن يتعلم الدين وأن يتفقه فيه- فهجرته إلى الله ورسوله.
فإن قيل: الأصل في الشرط والجزاء أنهما يكونان متغايرين، فيقال: (من جد وجد، ومن زرع حصد)، فالجزاء غير الشرط، وهنا اتحد الجزاء مع الشرط، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)! فالجواب أنّ الجزاء وإن كان هنا نفس الشرط إلّا أن الحكم يختلف باختلاف المتعلق، فقوله: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله) أي: نية وقصداً، (فهجرته إلى الله ورسوله) أي: ثواباً وأجراً.
فبهذا يختلف الشرط والجزاء، فالأول يتعلق بالنية والقصد، والثاني يتعلق بالثواب والأجر.
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم في صدر هذا التمثيل الشيء الذي فيه أجر وثواب، وهو كون الإنسان يريد بعمله وجه الله عز وجل والدار الآخرة.
وأما إذا كانت الهجرة من أجل غرض دنيوي من تجارة أو زواج فقد قال فيها عليه الصلاة والسلام: (ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)، فلم يقل: فهجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها وإنما جاء بلفظ عام ليبين أن من هاجر لشيء فإن هجرته إلى ما هاجر إليه، فإذا كان من أمور الدنيا لتحصيل المال، أو تحصيل الزواج أو غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه، فأتى بالجواب بلفظ عام؛ لأن أغراض الناس ومقاصدهم في أعمالهم المتعلقة بالدنيا لا تنحصر، فجاء بالجواب بلفظ يشمل كل شيء يقصد به الإنسان شيئاً من الدنيا.
وأيضاً ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المثال ليوضح به أن من يكون قصده حسناً فله الثواب والأجر، ومن كان قصده غير ذلك فهجرته إلى ما هاجر إليه.