ثم قال عليه الصلاة والسلام: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) من أخره عمله عن دخول الجنة فليس نسبه هو الذي يسرع به إليها, وإنما العبرة بما يقوم في القلوب وبالأعمال، وليس بما يحصل على الجوارح، وإنما يحصل ذلك بالتقوى والإيمان والعمل الصالح، فمن أخره عمله عن دخول الجنة وبلوغ المنازل العالية فليس نسبه هو الذي يسرع به إليها.
نعم النسب إذا جاء مع العلم والعمل الصالح فهو خير إلى خير، ونور على نور، وأما إذا كان بدون إيمان وبدون عمل صالح فإن ذلك لا يفيد شيئاً، كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه)؛ لأن العبرة عند الله عز وجل بالتقى والأعمال الصالحة كما قال عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، ويقول الشاعر: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ولا تترك التقوى اتكالاً على النسب فقد رفع الإسلام سلمان فارسٍ وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب فـ أبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عبد المطلب، وهو من أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم من ناحية النسب، وإلا فإن أهل البيت الذين لهم الفضل هم كل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب بن هاشم، وكذلك زوجات رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه, هؤلاء هم أهل البيت الذين لهم فضل.
ولكن من حيث النسب فعمه أبو لهب من أقرب الناس إليه؛ لأنه أخو أبيه، ومع ذلك فإنه من أهل النار لكفره وعدم إيمانه، وقد أنزل الله عز وجل فيه سورة تتلى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد:1 - 5].
إذاً: الأعمال الصالحة هي الميزان، وهي المعتبرة في الإسلام؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، وليس المعتبر النسب، قال الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]، فالعبرة إنما هي بالأعمال، وليست بالأنساب؛ ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
إذاً: النسب بدون عمل صالح لا يفيد صاحبه شيئاً، ولكن كونه يجمع بين النسب الشريف وبين العمل الصالح فيكون قد جمع بين الحسنيين.
فقد رفع الإسلام سلمان الفارسي، وهو من الفرس، وليس من العرب، ووضع أبا لهب وهو من بني هاشم، وهو ابن عبد المطلب، وعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كفره وعدم إيمانه وضعه؛ ولم يستفد بنسبه شيئاً؛ لأن العبرة ليست بالأنساب وإنما هي بالأعمال الصالحة وبتقوى الله عز وجل.
هذا الحديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه مشتمل على سبع جمل وهي: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنها بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماًَ سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه).
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.