يقول الإمام النووي رحمه الله: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رواه مسلم.
هذا الحديث حديث عظيم فيه بيان درجات تغيير المنكر، وأن الناس فيه ليسوا على حد سواء؛ لأنهم متفاوتون، وأن أعلى درجة للتغيير هي: التغيير باليد لمن قدر على ذلك، فمن لم يستطع فلابد من التغيير باللسان، فمن لم يستطع فلا بد من التغيير بالقلب، وليس هناك شيء أقل من هذا، بل ذلك أضعف الإيمان، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم، وقد جاءت آيات كثيرة وأحاديث عديدة تدل على عظم شأنه، وأمة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كانت خير أمة أخرجت للناس؛ وذلك لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كما قال الله عز وجل: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] ثم إن من لُعن من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم إنما كان بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم في الإسلام؛ وذلك لأن فيه الدلالة على الخير، والتحذير من الشر، وإزالة المنكرات الواقعة، وهذا الحديث بين فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم درجات تغيير المنكر، فقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده).
والمنكر: هو المحرم الواضح البين الذي قد علم تحريمه فإن تغييره مطلوب، فمن قدر على تغييره باليد تعّين عليه ذلك، وهذا يكون للسلطان ونواب السلطان في الولايات العامة، ويكون لصاحب البيت في بيته في الولاية الخاصة؛ لأن هؤلاء هم الذين يقدرون على تغيير المنكر بأيديهم، ومن لم يكن من أهل التغيير باليد، وكان من أهل التغيير باللسان بمعنى أنه يتكلم ويبين ويوضح، وينهى عن المنكر ويحذر منه، ويخوف منه، فإن عليه أن يقوم بهذا الواجب، مادام أنه ليس من أهل التغيير باليد، وعنده قدرة على أن يغير بلسانه، بأن يأمر وينهى ويبين، ويوضح ويحذر ويخوف، فإنه يفعل، وإذا لم يقدر على ذلك أيضاً فإن أقل شيء يفعله هو أن يغير بقلبه.
والتغيير بالقلب هو: الكراهية مع حصول التأثر، كون الإنسان قلبه يتأثر ويتألم لوجود هذا المنكر وذلك بكراهيته وبغضه وبتأثر القلب بسبب ذلك؛ لأنه ما استطاع أكثر من هذا.
قال عليه الصلاة والسلام: (وذلك أضعف الإيمان).
يعني: هذا أقل شيء، وهذا يدل على أن الناس يتفاوتون في الإيمان، ففيهم من هو قوي الإيمان، وفيهم من هو ضعيف الإيمان، وكما أن حصول الإيمان الناس يتفاوتون في كماله، فهم يتفاوتون في ضعفه.
فهم متفاوتون في الكمال، أي: في كمال الإيمان، ومتفاوتون في الضعف، ولهذا قال: (وذلك أضعف الإيمان).
يعني: أن من لم يحصل في قلبه شيء من التأثر والكراهية فمعنى ذلك أنه ليس عنده شيء من الإيمان الذي يحصل به أداء هذا الأمر الذي هو أقل شيء، وليس أقل أو أدنى منه.
فقوله: (من رأى منكم منكراً) يحتمل أن يكون المراد الرؤية البصرية، بمعنى أنه شاهد المنكر بعينه، فهو يغيره بيده إن كان من أهل اليد، وإلا فيغيره بلسانه إذا لم يستطع تغييره بيده.
ويحتمل أن يكون المراد بذلك ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية، بمعنى أنه يعلم ويتحقق عن طريق صحيح أن هناك منكر، وأن المنكر موجود، فإنه يعمل على تغييره بما علمه من حصوله ووجوده، وعلى هذا فلا يكون التغيير خاص بما رآه الإنسان، بل بما علمه ويتحقق علمه، فإن المطلوب منه أن يغيره مادام تحقق وجوده وعلم بذلك، وإن لم يشاهده ويعاينه، وعلى هذا فيكون المراد بالرؤية ما هو أشمل من الرؤية البصرية أي: ما يشمل الرؤية البصرية والرؤية العلمية.