هذا الحديث يدل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصون على كل خير وعلى التنافس في الخيرات، ومن كان منهم فقيراً فإنه يحب أن ينافس من كان غنياً في الخير، ولهذا شكا فقراؤهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا مثلما فعل الأغنياء؛ لأنهم متفقون مع الأغنياء في أنهم يصلون جميعاً ويصومون جميعاً، ولكن الأغنياء يزيدون عليهم بأنهم يتصدقون، وقد فهموا أن الصدقة إنما تكون بالمال، ولا شك أن الصدقة بالمال هي الأساس وهي الأصل، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة تكون في غير المال أيضاً، وأن الإنسان إذا عجز عن الصدقة بالمال فيمكنه أن يأتي بشيء يقدر عليه ويكون له صدقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟) يعني: من أمور أخرى تقدرون عليها، وليس من الذي لا تقدرون عليه وهو الصدقة بالمال، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأذكار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك يعتبر من الصدقات، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن بكل تسبيحة صدقة) أي: كون الإنسان يقول: سبحان الله له بذلك صدقة، وهي صدقة على نفسه؛ لأنها صدقة قاصرة ليست متعدية؛ لأنه كلام وذكر يقوله بنفسه، فنفعه قاصر وليس متعدياً.
قال: (وكل تكبيرة صدقة) أي: كونه يقول: الله أكبر.
قوله: (وكل تحميدة صدقة) أي: كونه يقول: الحمد لله.
قوله: (وكل تهليلة صدقة) أي: كونه يقول: لا إله إلا الله.
فهذه الكلمات الأربع كل واحدة منها إذا أتى بها الإنسان فإن بكل واحدة منها صدقة منه على نفسه.
فبين صلى الله عليه وسلم أن الصدقة تكون في غير المال، وأنها تكون بالذكر.