قوله: (والصبر ضياء) الصبر يكون على طاعة الله، ويكون عن معاصي الله، ويكون على أقدار الله المؤلمة، والصبر لا بد فيه من هذه الأمور، فيصبر الإنسان على الطاعات ولو شقت على النفوس، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكارة).
فالطريق إلى الجنة ليس مفروشاً بالورود والرياحين، بل فيه تعب ونصب ومشقة، ولا يصل إليها إلا من جاهد نفسه وكبح جماحها وجعلها تنقاد وتستلم لما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ولو كان ذلك شاقاً، ولهذا جاء في الحديث: (وإسباغ الوضوء على المكاره) يعني: في شدة البرد يتوضأ ويسبغ الوضوء ولو كان الماء بارداً.
وكذلك الصبر عن معاصي الله، فيصبر الإنسان على طاعة الله ولو شقت على النفوس، ويصبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ فإن الجنة حفت بالمكارة، فيحتاج طالبها إلى صبر على طاعة الله عز وجل ولو شقت على النفوس، ويحتاج أيضاً إلى صبر عن المعاصي ولو مالت إليها النفوس؛ لأن النار حفت بالشهوات، والإنسان إذا أرخى لنفسه العنان فيما تشتهي ولو كان محرماً فإن ذلك يفضي به ويوصله إلى النار.
وكذلك الصبر على أقدار الله المؤلمة، كالمصائب والنكبات التي تحل بالإنسان، فيصبر ويحتسب ولا يتسخط ويجزع، فقد وصف الصبر بأنه ضياء، وذلك لكون صاحبه يصبر على طاعة الله وعن معاصي الله وعلى أقدار الله المؤلمة، فلا شك أن من صبر قد هدي، وأنه حصل له الضياء، وحصل له النور الذي يكون بسبب صبره على الطاعات وصبره عن المعاصي وصبره على أقدار الله.
وعبر بالضياء مع الصبر لأن الضياء يكون معه حرارة، ولهذا وصف نور الشمس بأنه ضياء، والقمر وصف بأنه نور، فالشمس ضياء نورها معه حرارة، ومعلوم أن الصبر يحتاج إلى تحمل ويحتاج إلى احتساب وفيه مشقة، فمن صبر فإنه يحصل هذا الثواب ويحصل هذا الأجر، ويحصل هذا الضياء، ففيه الدلالة على فضل الصبر، وأن فيه هذا الثوب من الله عز وجل.