Q ما حكم الاحتفال بالمولد، وما يصحب ذلك من شد الرحل للمدينة للاحتفال به؟
صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بشد الرحل: أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).
وشد الرحل للمسجد هو للصلاة فيه، ولأداء العبادة فيه، وكون الإنسان يشد الرحل من أجل أن يأتي بهذا الأمر الذي لم تأت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك أن هذا مخالف للحديث من جهة، ومخالف أيضاً للحديث من جانب شد الرحل لأمر لا يسوغ شده إليه، ومع ذلك أيضاً هو أمر مبتدع محدث ما جاء شيء يدل عليه، ومعلوم أن الشريعة كاملة، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والرسول صلى الله عليه وسلم بين للناس كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم.
ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم سائغاً لفعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولفعله أصحابه الكرام، وفعله التابعون، وأتباع التابعين، وقد مضت قرون ثلاثة ولم يوجد فيها شيء اسمه الاحتفال بالمولد، ثلاثمائة سنة كاملة لا وجود للاحتفالات بها، والكتب المتقدمة التي ألفت في هذه الفترة التي هي قبل الثلاثمائة لا يوجد فيها شيء يتعلق بالموالد والاحتفال بالموالد، مما يدل على أنه بدعة متأخرة في الإحداث، أحدثت في القرن الرابع الهجري، ومن الذي أحدثها؟ أحدثها الرافضة العبيديون الذين حكموا مصر في القرن الرابع الهجري.
وقد ذكر ذلك المقريزي في كتابه: الخطط والآثار في كلامه عن تاريخ مصر، قال: إنهم أحدثوا ستة موالد: مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد فاطمة، ومولد علي، ومولد الحسن، ومولد الحسين، ومولد الحاكم الحاضر من حكامهم في ذلك الوقت.
والمستند للمولد تقليد النصارى، فإن النصارى يحتفلون بميلاد عيسى ونحن لا نحتفل بميلاد محمد صلى الله عليه وسلم، فهي بدعة رافضية المولد والمنشأ، والعمدة تقليد النصارى في احتفالهم بعيسى.
ومحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة كل مخلوق من البشر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، لكن ما هي المحبة؟ ليست المحبة إحداث شيء ما أذن الله تعالى به، ولا جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته الكرام ولا عن سلف هذه الأمة، وإنما أحدث في القرن الرابع الهجري! ليست هذه هي المحبة، إنما المحبة بالاتباع، المحبة بالاستسلام والانقياد، كما بين الله عز وجل ذلك بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، وهذه الآية الكريمة يسميها بعض العلماء: آية الامتحان والاختبار، وهي أن من يدعي محبة الله ورسوله عليه الصلاة والسلام عليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع، وليست بالإحداث، فإن الشريعة كاملة لا تحتاج إلى إضافات، لا تحتاج إلى أمور تضم إليها وتلحق بها؛ بل هي مستقلة كاملة، لا نقص فيها بوجه من الوجوه، والله تعالى لم يتوف نبيه إلا وقد أكمل لنا الدين، وأنزل عليه وهو واقف بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
إذاً: الواجب على الإنسان أن تكون عبادته لله عز وجل مبنية على أمرين: الإخلاص والمتابعة، وكل عمل من الأعمال لا يكون مستنداً على هذين الأمرين فهو مردود على صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال عليه الصلاة والسلام: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كبيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، والاحتفال بالموالد ليس مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإنما هو من محدثات الأمور، إذ لم يحدث إلا بعد مضي ثلاثمائة سنة كاملة كما قدمنا، فالقرون الثلاثة الذي قال فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) ما وجد عندهم هذا الاحتفال، وما عرفوا هذا الاحتفال، وإنما عرفه من جاء بعدهم.
فإذا كان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهم خير هذه الأمة التي هي خير الأمم، وكذلك التابعون وأتباع التابعين لم يحصل منهم شيء من هذا، وإنما حصل ابتداء من القرن الرابع الهجري، وكان على يد الرافضة العبيديين الذين حكموا مصر، فهل يعقل أن يحجب حق عن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ويدخر لأناس يجيئون بعدهم من القرن الرابع فما بعد؟ هذا ليس بمعقول أبداً، فعدم فعله من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يدل على أنه غير مشروع؛ لأنه لو كان حقاً لسبقوا إليه، ولكنه ليس بحق، فابتلي به من بعدهم، ومن جاء في القرن الرابع الهجري فما بعد، فلا يجوز أن يقال: إن الصحابة حرموا من هذا الفضل، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، هذا من أبطل الباطل، وأبعد ما يكون عن الحق والعدل والإنصاف.
وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال عنهم الإمام مالك رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وقال: ما لم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه فإنه لا يكون ديناً إلى قيام الساعة.
وقال رحمة الله عليه: من زعم أن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]، فكونه يؤتى ببدعة ويقال إنها حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم ما جاء بها، وما أثرت عنه، فمعنى ذلك أن الشريعة ليست كاملة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي ولم تكمل الشريعة، حتى احتيج إلى أن يؤتى بما يكملها، وهذا من أبطل الباطل؛ بل إن الشريعة كاملة، والرسول صلى الله عليه وسلم ترك الناس على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
قال رحمة الله عليه: من قال إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] قال: فما لم يكن ديناً في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون اليوم ديناً.
ثم إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم -كما أشرت- يجب أن تكون في قلب كل مسلم فوق محبة أي مخلوق؛ لأن النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يديه أعظم نعمة، وهي نعمة الإسلام، لكن هذه النعمة التي ساقها الله للمسلمين على يديه كيف يقابلها الناس؟ يقابلونها بحمد الله عز وجل عليها والتمسك بها، ومتابعته صلى الله عليه وسلم فيما جاء عنه.
وكل عمل من الأعمال لا ينفع عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون مطابقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يكفي حسن قصد الفاعل، كأن يقول: أنا قصدي طيب، ولو لم يأت العمل عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، ولا يفرق بين قصد حسن وغير حسن، بل البدع تترك، ويحذر منها، ولا يصار إليها، هذا هو الواجب.
لا بد من الإخلاص والمتابعة، فكل عمل من الأعمال لا يكون معتبراً ولا مقبولاً عند الله إلا إذا توفر فيه شرطان: أن يكون خالصاً لله، وأن يكون موافقاً لسنة رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا اختل أحدهما فإن العمل مردود على صاحبه، إن اختل الإخلاص رد العمل لقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:23]، وإن اختل شرط المتابعة رد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
والرسول صلى الله عليه وسلم لما ضحى رجل من أصحابه قبل صلاة العيد لم يعتبر ذبيحته أضحية، بل اعتبرها شاة لحم؛ لأنها ما وقعت طبقاً للسنة، ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (شاتك شاة لحم)، وقد ذكر الحافظ ابن حجر عن بعض أهل العلم في فتح الباري أنه قال: وفي هذا دليل على أن العمل إذا لم يكن مطابقاً للسنة لا يعتبر ولو كان قصد صاحبه حسناً.
وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه لما جاء إلى المسجد وجد أناساً متحلقين وبأيديهم حصى، يكبرون ويسبحون ويهللون ويعدون بالحصى، فوقف على رءوسهم وقال: ما هذا؟! عدوا سيئاتكم وأنا ضامن أن لا ينقص من حسناتكم شيء! ثم قال: إما أن تكونوا على أهدى مما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو أنكم مفتتحو باب ضلالة.
ومعلوم أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون أحد بعد الصحابة أحسن هدياً وخيراً منهم، إذاً: بقيت الثانية.
وقد فهموها وقالوا: سبحان الله يا أبا عبد الرحمن! والله ما أردنا إلا الخير، فقال رضي الله تعالى عنه: وكم من مريد للخير لم يصبه! فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم تكون باتباعه، وكما أن أمور الدنيا لا بد فيها من إقامة البينات على الدعاوى، فكذلك الدعاوى في المحبة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم لا بد فيها من إقامة البينات، والبينة هي المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، ولكن البينة على المدعي واليمين على