وجوب التوكل على الله تعالى والاستعانة به مع الأخذ بالأسباب

(وإذا استعنت فاستعن بالله) قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالأخذ بالأسباب، ومع الأخذ بالأسباب أن يستعين المسلم بالله عز وجل، ولا يعتمد على الأسباب ويتكل عليها؛ بل يأخذ بها، والأخذ بها مشروع، ولكن لا يعتمد الإنسان عليها؛ بل يعتمد على الله عز وجل ويتوكل على الله عز وجل الذي هو مسبب الأسباب، والذي إذا شاء جعل تلك الأسباب مفيدة ونافعة وإذا شاء جعلها غير مفيدة ولا نافعة، فقد يوجد السبب ولا يوجد المسبَّب، ولكن الإنسان يأخذ بالسبب المشروع، ويتوكل على الله عز وجل ويعتمد عليه سبحانه وتعالى ويسأله.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله)، وهذا أمر بالأخذ بالأسباب، وأن الإنسان يأخذ بالأسباب المشروعة، ولكن لا يعتمد عليها، ولا يقول: إن السبب إذا وُجد وجد المسبّب، فقد يوجد السبب بدون المسبب، فمثلاً: إذا أراد الإنسان الحصول على الولد فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا بالزواج أو ملك اليمين، إذ لا بد للحصول على الولد من هذا السبيل، فالإنسان يفعل السبب، ولكن إذا وجد هذا السبب بقي شيء وراء ذلك، وهو كون الله عز وجل يجعل هذا السبب نافعاً ومفيداً، فإنه قد يوجد السبب ويتخلف المسبب، فالأمر يرجع إلى مشيئة الله عز وجل وإرادته وقدرته وتوفيقه وتسديده، فإنه إذا شاء أن يحصل الولد حصل بعد الأخذ بهذه الأسباب، ولكن لا يحصل ولد بدون هذه الأسباب، فلا يحصل ولد بدون زواج أو ملك يمين وتسر، وإنما يحصل بهذا الطريق فقط.

فالإنسان عليه أن يفعل السبب، ولكن مع فعل السبب لا يعتمد عليه ويقول إن السبب قد وجد فلا بد أن يوجد المسبب، فإنه يمكن أن يوجد السبب ولا يوجد المسبب، ولكن كون الإنسان يضيف إلى فعل السبب التعويل على الله وسؤال الله عز وجل أن ينفع بالأسباب، فهو الذي إذا شاء نفعت الأسباب، وإذا شاء وجدت الأسباب ولكن تخلف نفعها وتخلفت ثمرتها؛ لأن الأمر يرجع إلى مشيئته وإرادته سبحانه وتعالى، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

فالحاصل: أن الإنسان عليه أن يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها؛ لأن الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد؛ لكون الإنسان يعول على غير الله عز وجل وكأن الأمور مادية وليس هناك شيء وراء المادة، بل لا بد من فعل السبب، ولا بد من التعويل على الله عز وجل وسؤاله أن ينفع بالسبب، فلا يعول الإنسان على الأسباب ويغفل عن الله، ولا يهمل الإنسان الأسباب ويقول: إذا كان الله قدر الولد فسوف يأتيني ولو لم أتزوج، فإن هذا كلام غير صحيح، بل هذا سفه ونقص في العقل؛ لكون الإنسان يهمل الأسباب ولا يأخذ بها، والله تعالى أمر بالأخذ بالأسباب، وذكر أنه لا بد مع الأخذ بها من سؤال الله عز وجل والاستعانة به سبحانه وتعالى، كما قال عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)، فلا يهمل العبد الأسباب ويقول: إذا قدر الله لي شيئاً فسوف يأتي لي بدون سبب؛ بل يسعى الإنسان لتحصيل الرزق، ويسعى لتحصيل الولد، ويسعى لتحصيل كل ما يعود عليه بالنفع في أمور دينه ودنياه، ومع سعيه وبذله للأسباب المشروعة لا يعتقد أن الأسباب هي كل شيء، وأنه إذا وجد السبب وجد المسبب.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصاً وتروح بطاناً)، وهذا داخل في الأسباب، ولهذا تظهر في الصباح خامصة البطون ليس في بطونها شيء، ثم ترجع في الرواح وقد امتلأت بطونها فقال عليه الصلاة والسلام: (تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فكذلك الإنسان يتوكل على الله عز وجل ويفعل السبب، ولا يكون توكله بدون فعل الأسباب، بحيث يقول: إذا الله قدر لي شيئاً فسيأتيني، ويجلس في بيته ويقول: إن رزقي سوف يأتيني وأنا في بيتي، فلا بد من الأخذ بالأسباب المشروعة، فإن ذلك يكون من السفه، ولا يكون هذا توكلاً بل هو تواكل، ولهذا يقول بعض أهل العلم: إن الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015