هذا الحديث فيه أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أخبر أن الإحسان يكون في كل شيء، وأنه ليس خاصاً ببعض الأمور أو الأحوال وإنما هو عام، فهو يشمل أولاً إحسان العبد عمله لله عز وجل؛ فلا بد أن يكون فيه محسناً، ويكون الإحسان أيضاً في من يستحق القتل؛ وذلك بأن يقتل القتلة التي فيها خروج روح المقتول بسهولة من غير تعذيب أو تمثيل، وسواء كان ذلك في قتال الكفار، أو قتل القاتل قصاصاً، أو حداً، فإنه يراعى في ذلك أن يكون القتل على وجه يريح المقتول، دون أن يناله شيء من الإيذاء قبل قتله، إما بالتمثيل أو عدم قتله القتلة المريحة له، بأن يكون هناك تعذيب له في قتله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء) يفيد العموم، وأن الإحسان عام وليس خاصاً في شيء دون شيء، و (كتب) هنا بمعنى: شرع وأوجب؛ لأن الكتابة تنقسم إلى: كونية قدرية، ودينية شرعية، وهي هنا من قبيل الكتابة الدينية الشرعية، مثل قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة:178]، وقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة:180]، وقوله: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]، فهذا كله من قبيل الكتابة الشرعية وليس من قبيل الكتابة الكونية القدرية.
ومعنى ذلك أن الواجب عند القتل سواء كان قصاصاً أو حداً أن يقتل القتلة التي فيها سهولة خروج الروح، وسهولة قتله بدون أن يناله شيء من الضرر أو الإيذاء أو التمثيل الذي قد يكون عند القتل.
ولما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء)، مثل بمثال يتعلق بالقتل والذبح، وأن ذلك كله يجب أن يكون على وجه فيه راحة للمقتول أو للذبيحة من الحيوان، فهو توضيح لتلك القاعدة العامة بمثال من أمثلتها، كما تقدم في حديث: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، أنه مثل لذلك بالهجرة فقال: (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
وهنا لما ذكر هذه القاعدة العامة، وهي أن الإحسان يكون في كل شيء، وليس خاصاً بشيء دون شيء، بين أن مما يدخل في ذلك إزهاق الروح، سواء كان قتلاً لإنسان أو ذبحاً لحيوان فإنه يجب فيه الإحسان، ويكون ذلك على وجه الإحسان للمقتول وللذبيحة، ولهذا جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في وصيته للغزاة في سبيل الله عز وجل كما في حديث بريدة بن الحصيب في صحيح مسلم (أن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا أمّر أميراً على جيش أو سرية أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: اغزوا باسم الله قاتلوا من كفر بالله، ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً ولا وليدة)، فقوله: (ولا تمثلوا)، يعني: أنه لا يحصل منهم القتل الذي فيه إيذاء وتشويه للإنسان، وإنما إذا قتل فإنه لا يمثل به.