قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، أي: وكذلك أيضاً يكره له ما يكره لنفسه، ويدخل تحت ذلك كون الإنسان يحب أن يعامل معاملة طيبة، فكذلك عليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، فيعامل الناس بمثل ما يحب أن يعاملوه به.
وقد جاء في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في حديث طويل قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه)، هو بمعنى: (يحب لغيره ما يحب لنفسه)، فكما أنه يحب أن يعامل معاملة طيبة فعليه أن يعامل غيره معاملة طيبة، ولا يكون بخلاف هذا الوصف الذي أرشد إليه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر الله عز وجل في كتابه ذم من يكون كذلك فقال: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1 - 3]، فهم عندما يأخذون حقهم يستوفونه ويأخذونه كاملاً، وعندما يؤدون الحق الذي عليهم يبخسونه وينقصونه؛ فيأخذون الحق كاملاً، ولا يعطون الحق الذي عليهم كاملاً.
ويدخل تحت هذا البخس: أولئك الموظفون الذين يتأخرون عن أعمالهم، ويضيعون شيئاً من الوقت المطلوب منهم والمفروض عليهم دون أن يستعملوه فيما يعود على الناس بالخير والفائدة، فهذا من قبيل البخس ومن قبيل أخذ الحق كاملاً وتأدية ما عليه ناقصاً، فهو لا يحب أن يخصم شيء من راتبه؛ ولكنه لا يبالي إن ضيع شيئاً من الوقت المفروض عليه دون أن يصرفه فيما يعود على الناس بالخير.
وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات)، بأن يأخذ ولا يعطي، ويكون جموعاً منوعاً، يحب أن يصل إليه الشيء ولكن لا يصل منه شيء، فهو يطلب ولكن لا يعطي، هناك دخول عليه وليس هناك خروج منه، وهذه صفات ذمها الله عز وجل، وكذلك جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ذمها ومنعها، وهي تخالف ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث في قوله: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).