قال الإمام النووي رحمه الله: [عن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك الذين من قبلكم كثيرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم).
رواه البخاري ومسلم].
هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو مشهور بكنيته، واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، وهو رضي الله عنه أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
والأحاديث التي أحصيت ودونت كان أكثر الرواة فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو هريرة، والذين عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة، هم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد الخدري وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم، ستة رجال وامرأة واحدة، وأبو هريرة هو أكثر السبعة؛ لأن أحاديثه بلغت الآلاف.
ومن المعلوم أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر في السنة السابعة، ومعلوم أن من الصحابة من كان إسلامه بمكة، ومنهم من كان إسلامه بالمدينة وقد سبق أبا هريرة، ولكن ليس هناك أحد من الصحابة بلغ بالكثرة مثلما بلغ أبو هريرة ويرجع ذلك لأمور منها: الأمر الأول: ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه منذ أسلم لازم النبي عليه الصلاة والسلام، فكان يذهب معه إذا ذهب، ويأكل معه إذا أكل، ويحضر مجلسه إذا جلس، فكان ملازماً له صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ فذلك من أسباب كثرة حديثه؛ لأن كثيراً من الصحابة كانوا يحضرون مجالسه أحياناً ويغيبون أحياناً لجمع الأرزاق ولقضاء الحاجات، وأما أبو هريرة فإنه كان ملازماً له يأكل معه إذا أكل، ويشرب معه إذا شرب، ويسمع منه حديثه صلى الله عليه وسلم، ولذا صارت روايته بهذه الكثرة.
والأمر الثاني: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له.
والأمر الثالث: أنه كان ممن بقي بالمدينة وعُمّر ومكث فيها مدة طويلة، وكان الناس يفدون إلى المدينة ويصدرون منها، ومن المعلوم أن المدينة يأتيها الناس بسبب إلى المسجد المبارك الذي هو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، ومن المعلوم أنه إذا كان في المدينة أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن الوافد إليها سواء كان من الصحابة أو التابعين يحرص على لقاء ذلك الصحابي المقيم في المدينة، وإذا لقيه أخذ منه ما عنده من الحديث، وكل يحدث بما عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فـ أبو هريرة كان يحدث وغيره كان يحدثه.
ومعلوم أن رواية الصحابة بعضهم عن بعض مثل رواية بعضهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كلها مضافة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أضاف الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً سواء سمعه منه مباشرة أو من غيره، فإن ذلك الحديث مضاف إلى رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
فهذه أسباب ثلاثة تبين السبب في كون أبي هريرة كان كثير الحديث مع أنه لم يسلم إلا في السنة السابعة، ولم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من تلك السنة.
وهؤلاء السبعة المكثرون جمعهم السيوطي في الألفية في علوم الحديث، فقال: والمكثرون في رواية الأثر أبو هريرة يليه ابن عمر وأنس البحر كالخدري وجابر وزوجة النبي.