هذا حديث عظيم من أحاديث النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت)، هذه الصيغة من النبي عليه الصلاة والسلام، يكون الآمر له فيها هو الله عز وجل، لأنه لا آمر للرسول صلى الله عليه وسلم إلا الله، فإذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فالذي أمره ونهاه هو الله عز وجل، أما إذا قال أصحابه الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا فالآمر والناهي لهم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ونهيه هو من عند الله، لأن السنة هي من عند الله كما أن القرآن من عند الله؛ لكن الذي يخاطبهم بذلك هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)، وهذا يدل على أنهم يدعون إلى الإسلام، وإذا لم تحصل الاستجابة بالدعوة وبالكلام فإنه ينتقل إلى القتال، ولفظة (حتى) للغاية، فالقتال ينتهي بهذه الغاية، وهي كونهم يأتون بالشهادتين، ويأتون بالصلاة والزكاة.
ثم الحديث بدأ فيه بالشهادتين، وذلك أن الشهادتين هما الأساس وهما المدخل والمفتاح، وقد جاء عن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام أنه كان أول ما بعثه الله عز وجل يأتي إلى العرب في أماكن اجتماعهم، ويقول لهم: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) فالدعوة أول ما تكون إلى التوحيد وإخلاص العبادة لله عز وجل، ولهذا بدأ بالشهادتين قبل ذكر غيرهما، وذلك أنهما هما الأساس الذي يبنى عليهما غيرهما، وأي عمل لا يكون نافعاً ولا يكون مقبولاً إلا إذا كان مبنياً عليهما.
وفيه أيضاً التلازم بين الشهادتين وأنه لا بد من كليهما، فيجب على كل إنسي وجني من حين بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة الإتيان بهما، لا ينفعه دين ولا يستقيم له أمر إلا إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الكتاب لا ينفعهم إيمانهم بنبيهم الذي ينتسبون إليه ما لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، فاليهود المنتسبون إلى موسى والنصارى المنتسبون إلى عيسى لا ينفعهم إيمانهم بموسى ولا إيمانهم بعيسى بعد بعثته صلى الله عليه وسلم حتى يؤمنوا بمحمد ويتبعوه، ولا يتابعوا أحداً ممن كانوا قبله بعد بعثته؛ لأن شريعته نسخت كل الشرائع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي جئت به إلا كان من أصحاب النار).
وذلك أن اليهود والنصارى من أمة الدعوة، أي الذين توجه إليهم الدعوة ويطلب منهم الدخول في الإسلام، ورسالة الرسول صلى الله عليه وسلم عامة الناس جميعاً، بل هي إلى الثقلين الإنس والجن، لا يسع أحداً الخروج عن هذه الشريعة وعدم الدخول فيها، ولا ينفع أحداً أن يكون تابعاً لنبي من الأنبياء بعد بعثته عليه الصلاة والسلام، ولهذا جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال في موسى الذي يزعم اليهود أنهم أتباعه: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) وأخبر عليه الصلاة والسلام أن عيسى الذي يزعم النصارى أنهم أتباعه، سينزل في آخر الزمان، ويحكم بهذه الشريعة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير ويضع الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، ولا يحكم بالإنجيل الذي أنزله الله إليه لأنه قد أمر بهذه الشريعة وهي شريعة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
فإذاً: لا بد من الشهادتين، الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالرسالة، وهما شهادتان متلازمتان لا بد منهما جميعاً، ولا بد مع شهادة أن لا إله الله من شهادة أن محمداً رسول الله، ولا يكتفى بواحدة عن الأخرى، بل يتعين الإتيان بهما جميعاً، وذلك أن الرسالة عامة لكل أحد من حين بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.