الحديث السادس من الأربعين النووية للإمام النووي رحمه الله: عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).
هذا حديث عظيم من جملة الأحاديث التي ذكر العلماء أن مدار الإسلام عليها؛ وذلك لما اشتمل عليه الحديث من بيان الحلال والحرام، وما يشتبه بالحلال وبالحرام، وما يكون فيه الاحتياط والسلامة، ثم بيان عظيم لشأن القلب، وأنه ملك الأعضاء، فبصلاحه تصلح، وبفساده تفسد.
والحديث رواه النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنه كان خطب به النعمان على المنبر، قيل: بالكوفة، وقيل: بحمص، وكان أميراً عليهما، فيمكن أن يكون ذلك حصل هنا أو هنا، وكان قد أكد سماعه أنه أهوى بيديه إلى أذنيه -يعني: مؤكداً السماع- مع قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون جمع بين التأكيد للسماع بالقول وبالإشارة الدالة على ذلك الفعل، الذي هو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والنعمان بن بشير من صغار الصحابة، وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثمان سنوات، وفي هذا دليل على أن الصبي المميز يصح تحمله في صغره، ويؤدي في حال كبره، وهذا معتبر عند العلماء، ومن ذلك ما جاء في هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي سمعها النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، وكذلك غيره من صغار الصحابة الذين سمعوا من النبي عليه الصلاة والسلام في حال صغرهم وأدّوا في حال كبرهم، ومثل ذلك الكافر الذي تحمل في حال كفره وأدى في حال إسلامه، فإن تأديته في حال الإسلام معتبرة لما تحمله في حال كفره؛ لأنه في حال الكفر غير مأمون، فإذا أدى حال كفره فلا يعتد بكلامه، ولكن إذا أدى بعد إسلامه فإنه مؤتمن على ما يأتي به؛ لأنه مسلم يخبر عن شيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.