قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: [ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد].
يعني أنّ من الناس من حصرها في موضوع معين، فمنهم من جعلها في أصول الدين -أي: في العقيدة-، ومنهم من جعلها في الجهاد، ومنهم من جعلها في الفروع -يعني: في المسائل الفقهية-، ومنهم من جعلها عامة جامعة في الأخلاق والعبادات وغير ذلك.
قال رحمه الله تعالى: [وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة رضي الله تعالى عن قاصديها، وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، وقد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك، ثم ألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيحي البخاري ومسلم].
هذا الكلام على اعتبار أنه يراها كلها صحيحة، وسنذكر عند كل حديث بيان حاله، فكلها صحيحة وثابتة إلا بعضها ففيها كلام لبعض العلماء، وهو شيء يسير منها.
قال رحمه الله تعالى: [وأذكرها محذوفة الأسانيد؛ ليسهل حفظها ويعم الانتفاع بها إن شاء الله تعالى، ثم أتبعها بباب في ضبط خفي ألفاظها.
وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث؛ لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره، وعلى الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة].
رحم الله الإمام النووي فهذا كلام جميل، وقصد طيب، فقد بين رحمه الله أن الحديث -أي: حديث فضل حفظ أربعين حديثاً- اتفق الحفاظ على ضعفه، وأنه ليس بثابت، وأنه إنما فعل ذلك اقتداء بالذين سبقوه، وتعويلاً على الأحاديث الصحيحة الدالة على فضل حفظ السنة، ومن ذلك الدعاء لمن حفظها وبلغها بأن ينضر الله وجهه، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليبلغ الشاهد الغائب).
وإن الإمام النووي بفعله هذا رحمه الله، وانتفاع الناس بهذه الأحاديث التي جمعها، وتتابعهم عليها، واشتغال الخاص بها والعام، وكون الطلاب ينشئون عليها حصل له خير كثير وفضل كبير رحمه الله؛ فإن كل من يقرأ هذه الأحاديث يدعو له، ويستفيد منها، ولا شك في أن هذا من العلم الذي ينتفع به، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).