Q تعرض الحافظ ابن رجب لقضية خروج المرء من دائرة الإسلام بترك هذه الأركان الخمسة أو ترك بعضها، وبعد أن ذكر القول الأول في ترك الصلاة قال: وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف، وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وحكى إسحاق عليه إجماع أهل العلم، وقال محمد بن نصر المروزي: هو قول جمهور أهل الحديث.
ثم قال: وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئاً من أركان الإسلام الخمسة عمداً أنه كافر بذلك، وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم.
ويقول الحافظ ابن رجب أيضاً: واعلم أن هذه الدعائم الخمسة بعضها مرتبط ببعض، وقد روي أنه لا يقبل بعضها بدون بعض، كما في مسند الإمام أحمد عن زياد بن نعيم الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن أتى بثلاث لم يغنين عنه شيئاً حتى يأتي بهن جميعاً: الصلاة، والزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، وهو مرسل، فما توجيه هذا؟
صلى الله عليه وسلم هذا غير واضح، إلا إذا كان المقصود به الجحود، أما إذا كان المقصود به عدم الجحود فإنه لا يعتبر كافراً، فإن الكفر إنما هو في الصلاة، كما جاء عن عبد الله بن شقيق العقيلي أنه قال: إنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
وأما بالنسبة للجحود فكل ما هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة إذا جحده الإنسان فإنه يكفر، وكذلك إذا استحل أمراً معلوماً تحريمه من دين الإسلام بالضرورة فإنه يكفر.
وعلى هذا فإن مجرد الترك ليس جحوداً، وعلى هذا فإنه لا يعتبر كفراً، ولهذا جاء في قصة الرجل الذي لا يؤدي الزكاة: (إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فيكوى بها جنبه وظهره، ويكون هذا شأنه حتى يقضي الله بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار).
وكذلك صاحب الإبل وصاحب البقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها: (يبطح لها بقاع قرقر، فتطؤه بأظلافها، إذا مر عليه أخراها عاد عليه أولاها، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) فقوله: (إما إلى الجنة وإما إلى النار) يدل على أنه ليس بكافر؛ لأن الكافر لا سبيل له إلى الجنة، بل مصيره إلى النار، والذي له سبيل إلى الجنة هو الذي يكون مسلماً وليس بكافر.
فهذا يدل على أن غير الصلاة إذا تركه العبد من غير جحود لا يكون كافراً، وأما الصلاة فهي التي فيها الخلاف، فمنهم من قال: إنه يكفر بتركها تكاسلاً.
وهذا القول دلت عليه الأدلة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله في الحديث الآخر: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، وكذلك الحديث في الأمراء الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان)، وفي الحديث الآخر قال: (لا ما صلوا).
ففي قوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) استثنى به الكفر البواح، وفي قوله: (لا، ما صلوا) استثنى الصلاة، فدل على أنهم إذا كانوا من المصلين فقد سلموا من الكفر، وأن من لم يصل فإنه يكون كافراً.