ثم إن ذكر الخمس في أول الحديث وذكر العدد فيه فائدة، وهي التنبه للمعدود، وذلك أنه عندما يأتي ذكر العدد في الأول يتهيأ السامع ويستعد لمعرفة المعدود، فلو سقط شيء أو نسي العاد شيئاً فمعنى ذلك أنه حصل عنده نقص، فيحتاج إلى البحث عنه لتحصيله وتداركه، بخلاف ما إذا أتي بالشيء من غير ذكر العدد، فإن ذلك لا يكون مثل ما مما إذا ذكر العدد.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي بمعدودات ويشير إلى عددها قبل أن يأتي ذكرها، ومن ذلك ما يكون اثنين، ومنه ما يكون ثلاثة، ومنه ما يكون أربعة، ومنه ما يكون خمسة، ومنه ما يكون ستة، ومنه ما يكون سبعة، فيأتي بذكر العدد في الأول ثم يأتي بالمعدودات، وهذا فيه -كما قلت- تنبيه للسامع إلى أن يعي ويستوعب المعدودات التي ذكر له عددها.
فهذه من الفوائد التي فيها تحفيز السامع على استيعاب المعدود ومطالبة نفسه بتحصيله، وأنه إذا فاته منه شيء فمعناه أنه حصل عنده نقص.
وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة فيما يتعلق بمعدودين، كما جاء في آخر حديث في صحيح البخاري، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) يعني أنهما هاتان الكلمتان.
فقد ذكر العدد أولاً، ثم ذكر المعدود آخراً، وكذلك جاء ذكر الثلاث في قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) الحديث، فذكر العدد ثلاثة، ثم ذكر المعدود بعد ذلك، وكذلك جاء ذكر أربع في قوله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً) الحديث، وجاء: (حق المسلم على المسلم خمس) الحديث، وكذلك جاء ذكر غيرها من الأعداد.
وهذا من المنهج والطريقة التي كان يسلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعليم أصحابه، وفائدة ذلك -كما أشرت- هي تحفيز السامع إلى أن يستوعب الشيء الذي يلقى عليه، وأن يطالب نفسه بالعدد، فإذا فاته شيء منه فمعناه أنه نقص عليه العدد، وأنه لم يستوعب، ويحتاج إلى أن يبحث عما يكمل به العدد.