قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى ورسوله حرم الميتة) هناك شيء يتعلق بشحوم الميتة، فقد سأل رجل فقال: (يا رسول الله! أرأيت شحوم الميتة فإنه تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟) يعني: يتخذونها للإضاءة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا، هو حرام)، وقد اختلف العلماء في قوله: (هو حرام) هل يرجع إلى البيع أو يرجع إلى هذه الأمور التي ينتفع بها؟ فمنهم من قال: إن التحريم يرجع إلى البيع، ومنهم من قال: إن التحريم يرجع إلى الاستفادة منها والاستصباح ودهن الجلود وطلاء السفن، يعني: أن تطلى من الخارج بهذه الأدهان بحيث لا يؤثر فيها الماء وكثرة سيرها في الماء ومكثها في الماء، فيكون ذلك مما يساعد ويعين على سلامتها وعلى بقائها وعدم تأثرها.
ولا شك أن عدم استعمال الميتة وما يتعلق بها أولى، وإنما يستثنى من ذلك الجلود، فإنه يجوز الاستفادة بها بعد الدبغ؛ لأنها تطهر بالدبغ كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إنما يكون خاصاً فيما يؤكل لحمه ويكون ميتة، والمذكى كما هو معلوم مما يؤكل لحمه يمكن الاستفادة من جلده، ولا يقال: إنه نجس كالميتة، وإنما هو طاهر، ولكنه يدبغ من أجل إزالة الشعر والاستفادة منه.
أما إذا كان الجلد مما لا يؤكل لحمه كالحمير والكلاب والخنازير وغير ذلك فإنه لا يستفاد منه ولا ينتفع به، وإنما الاستفادة تكون من مأكول اللحم؛ لأنه هو الذي تنفع فيه الذكاة، وأما ما لا يؤكل لحمه فهو بمنزلة الميتة وإن ذكي؛ لن ذكاته لا تخرجه من كونه ميتة.
ثم قال: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم عليهم الشحوم جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه) يعني: أذابوه وصار بدل ما كان شحماً يقال له: ودك، فباعوه وأكلوا ثمنه، وهذا من حيلهم التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حرام.
فالخمر لا يستفاد منها ببيعها ولا يستفاد منها بشيء، وإنما يجب إراقتها وإتلافها، والميتة كذلك لا يستفاد منها إلا بجلدها إذا دبغ، وكذلك الأمور الأخرى لا يستفاد منها لا بالأكل بالنسبة للخنزير ولا بالبيع، وكذلك بالنسبة للأصنام لا يستفاد منها ببيعها؛ لأن ذلك يؤدي إلى الإشراك بها مع الله، وكونها تعبد من دون الله وفي ذلك مضرة، وإنما تحطم وتكسر ولا تبقى صنميتها ووثنيتها، ويمكن أن يستفاد منها في بنيان أو في جدار؛ لأنها لم تبق صنماً.