قوله: (يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي)، يعني: أنك إذا دعوت الله عز وجل وألححت عليه في الدعاء وطلبت منه المغفرة ورجوت الله عز وجل ولم تيئس فإن الله تعالى يغفر لك ما كان منك من الذنوب جميعاً ولو تكررت ولو كثرت ولا يبالي، وهذا نظير قول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
فإذاً: من أسباب المغفرة كون الإنسان يدعو الله ويرجوه أن يغفر له، فإذا فعل ذلك فإن الله تعالى يجيبه ويغفر له.
ومغفرة الذنوب هو سترها عن الخلق والتجاوز عنها بحيث لا يعاقب عليها، هذا هو مغفرتها؛ لأن الغفر هو الستر، ولهذا قيل للمغفر: مغفر لأنه يستر الرأس ويغطيه عن السهام.
فغفر الذنوب سترها عن الناس وعدم إظهارها وحصول ستر الله عز وجل للعبد فيها، وكونه يتجاوز عنها فلا يؤاخذ عليها ولا يعاقب عليها، فيكون كأنه لم يكن، ولكن هذا يكون مع التوبة إلى الله عز وجل، فالإنسان عليه أن يرجو ويدعو وهو تائب لا أن يكون مصراً على الذنب وهو مشغول بالذنب ومهموم بالذنب وشغله متعلق بالذنب وفكره متعلق بالذنب ثم يقول: اللهم اغفر لي، فإن هذا مما يكون على اللسان دون تواطؤ القلب عليه، وإنما يكون الاستغفار نافعاً إذا تواطأ القلب واللسان على ذلك، وكان بتوبة من الله سبحانه وتعالى.
قوله: (يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك)، يعني: هنا بين كثرة الذنوب وأنها تبلغ عنان السماء، ويحتمل أن يكون المراد بعنان السماء أنها تصل إلى السماء بكثرتها، أو يقال: إن المراد بالعنان هو السحاب، أي: أنها تبلغ إلى السحاب، أو مع العلم أن الإنسان إذا نظر فإن الذنوب يكون حجمها ومقدارها بالغاً هذا المبلغ، فإذا ما كثرت الذنوب وبلغت هذا المبلغ وعظمت هذا العظم وتاب الإنسان منها واستغفر الله عز وجل، فإن الله تعالى يغفر له ويتوب عليه.