إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70 - 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: فإن من علامات الرفع وعلامات النصب وعلامات الخفض ما هو أصلي ومنها ما هو فرعي، أي: ينوب عن الأصل، وعلامات الخفض الأصلية الكسرة.
وتكون الكسرة في مواضع ثلاثة: الموضع الأول: الاسم المفرد المنصرف، وخرج بالمنصرف غير منصرف كأحمد وعمر.
والاسم المفرد المنصرف يقبل التنوين ويكون خالياً من علل المنع من الصرف.
الموضع الثاني: جمع التكسير.
والموضع الثالث: جمع المؤنث السالم.
مثال الاسم المفرد: مررت بمحمد، ذهبت إلى عمرو، تذاكرت مع زيد، فكل هذه الأسماء المفردة علامة الخفض فيها الكسرة؛ لأن (محمد) مجرور بالباء، وكذلك زيد وعمرو مجروران بحرفي جر.
ومن الأمثلة على ذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث إلى كسرى وقيصر وملوك الأعاجم بالرسائل يدعوهم إلى الإسلام، فيقول: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم.
الشاهد: (من محمد) فهو مجرور بالكسرة؛ لأنه سبقه حرف الجر.
ومن المواضع التي تظهر فيها علامة الخفض الأصلية جمع التكسير، وجمع التكسير: هو ما تغير في صورة المفرد، ومن جمع التكسير ما هو منصرف، ومنه ما ليس بمنصرف، مثل: مساجد، مصابيح.
ومن الأمثلة على ذلك: قال رستم: أجئتم تغزوننا؟ أردتم المال والثياب، سنعطيكم في كل عام كذا وكذا من المال والثياب.
فبعث إليه خالد بن الوليد برسالة شديدة اللهجة فقال له: سآتيك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الخمر.
الشاهد: برجال.
وقال الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36] وتقول: عاث المسلمون في رمال الصحراء.
ومن الأمثلة قول الله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل:68].
ومن مواضع الجر بالكسرة جمع المؤنث السالم: وهو ما دل على أكثر من اثنين بزيادة ألف وتاء، وهو يجر بالكسرة الظاهرة على آخره.
قال الله تعالى: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ} [النور:58] فعورات: جمع مؤنث سالم مجرور بالكسرة لأنه مضاف إليه.
أيضاً: قول الله تعالى حاكياً عن صاحب يوسف: {إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} [يوسف:43].
والشاهد: ((سَبْعَ بَقَرَاتٍ)) بقرات: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة.
وقول الله تعالى في سورة البقرة: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة:61]: فالشاهد: ((بِآيَاتِ اللَّهِ))، آيات: مجرورة لأنه سبقها حرف جر، وعلامة جرها الكسرة.
ومن الأمثلة على ذلك: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال في يوم العيد، فمر بالمسلمات فخطبهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة: فالشاهد: (بالمسلمات) مجرورة بالكسرة، أو تقول: مررت بالمؤمنات، فهذه أيضاً علامة الجر فيها الكسرة لأنها جمع مؤنث سالم.
ينوب عن الكسرة الياء والفتحة، والياء لها مواضع ثلاثة أيضاً: الأسماء الخمسة؛ جمع المذكر السالم، المثنى.
ومن الأمثلة على الأسماء الخمسة المجرورة: قول الله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ} [عبس:34 - 35]، فأخيه وأبيه مجرورتان بالياء؛ لأنهما من الأسماء الخمسة.
أيضاً قال الله تعالى: {ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ} [يوسف:81].
وقول القائل: مر عمر بن الخطاب بـ أبي بكر.
وقال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]، كل ذلك مجرور بالياء؛ لأنه من الأسماء الخمسة.
والموضع الثاني الذي تكون فيه الياء نيابة عن الكسرة هو المثنى، -ومن الأمثلة على ذلك: قول الله تعالى حكياً عن موسى أنه قال: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ} [الكهف:60]، البحرين: مجرور بالياء لأنه مثنى.
وقول الله تعالى: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31]، الشاهد: ((مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ)) [الزخرف:31]، أيضاً مثنى مجرور بالياء؛ لأنه سبق بحرف الجر.
وقال الله تعالى: {كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا} [الكهف:33]، الشاهد: ((كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ)) [الكهف:33] أيضاً مجرورة بالياء؛ لأنها مثنى.
وقال الله تعالى في سورة التحريم: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [التحريم:10]، فالشاهد الأول: ((تَحْتَ عَبْدَيْنِ)) [التحريم:10]، عبدين: مضاف إليه مجرور بالياء؛ لأنه مثنى، والشاهد الثاني: ((صَالِحَيْنِ)) [التحريم:10]، صالحين: نعت مجرور وعلامة جره الياء؛ لأنه مثنى.
وصلِّ اللهم وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.