قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد كانوا اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو الغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية.
ولا يحل قتال السلطان، ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق].
الخروج على الأئمة يحصل به مفاسد كثيرة، فيحصل به فتن وقتل واضطهاد لأهل الخير، ويحصل به إذلال لأهل الدين ولأهل الإيمان ولأهل العلم ولأهل العمل الصالح، وقد جُرّب ذلك في العصور الأولى، فالذين خرجوا على الحجاج في ولايته كـ ابن الأشعث لما أن خلع بيعة أمير المؤمنين عبد الملك، وخلع طاعة والي العراق الذي هو الحجاج، واجتمع معه خلق كثير حتى أن منهم كثيراً من علماء التابعين في ذلك الوقت، فماذا حصل؟ حصل أنه لما انتصر عليهم الحجاج أخذوا وقتل بذلك خلق كثير، وكان من آخرهم سعيد بن جبير رحمه الله.
وكذلك أيضاً: لما أن خلع المقاتل الفاتح العظيم قتيبة بن مسلم طاعة سليمان بن عبد الملك حصل أنه قوتل حتى قتل، وذكروا وقالوا: إنه ينطبق عليه الحديث: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، ولكن يترحم عليه؛ لأنه كان له جهد في الجهاد، وفتح الكثير من بلاد السند وما وراء النهر.
وهكذا أيضاً ابن المهلب عند أن خلع الطاعة وحاول أن يستبد بالأمر حصلت فتنة.
وهكذا في آخر عهد بني أمية خرج زيد بن علي بن الحسين وحاول أن يتم له الأمر فقُتل، وقُتل من معه واضطهدوا.
وكذلك في خلافة المنصور خرج اثنان من العلويين وهما: محمد بن عبد الله بن حسن وأخوه إبراهيم وكل منهما بايعه خلق كثير ثم قتلوا.
وبكل حال لا يجوز الخروج على الأئمة لما يحصل بذلك من الإذلال والإهانة لأهل الخير، ومعلوم أن الأئمة في أيديهم الولاية ونحوها، فتجب طاعتهم إلا فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ولما قيل: (ألا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة)، وما دام أنهم يقيمون الصلاة وأنهم يظهرون شعائر الإسلام ولو حصل منهم خلل أو نقص أو لوحظ على بعضهم شيء من المعاصي والتقصير، فإن ذلك لا يسوغ الخروج عليهم.