نعم الرجل! ونعم الصاحب! ونعم الأمير رضي الله عنه وأرضاه! كان والله عابداً زاهداً متصدقاً فقيهاً ورعاً عالماً مجاهداً، لو جلسنا شهوراً وسنين نتكلم عن هذه الشخصية الفريدة فلن نعطيها حقها.
لكن اليوم سوف نتكلم مع عمر الزاهد العابد الفقيه العالم، عمر رضي الله عنه وأرضاه أوجز وأعذب وألطف ما قيل في زهد عمر ما قاله بعض المؤرخين: إن الدنيا لم ترد أبا بكر، وأبو بكر لم يرد الدنيا، لأن أبا بكر زاهد، ولم تفتح الدنيا عليه، ولا خزائن كسرى ولا قيصر فتحت عليه، قال: أبو بكر لم يرد الدنيا ولم ترده الدنيا، أما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها رضي الله عنه وأرضاه، كان يقف خطيباً أمام الناس وثوبه مرقع، كان يأكل الزيت والخبز، ويقول لبطنه بعدما يربط عليها الحجر والحجرين: قرقري كما تريدين، والله لا تأكلين إلا هذا الطعام، زيت وخبز.
وكان والله متصدقاً منفقاً، لما استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام للإنفاق في سبيل الله ذهب بشطر ماله فوضعه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له الرسول: ما تركت لأهلك؟ قال: تركت لهم شطر مالي، فمدحه النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه.
كذلك لما أصاب مالاً في خيبر قال ابن عمر كما في الصحيحين: أصاب عمر مالاً ما أصاب مالاً خيراً منه، وهو سهم في خيبر، فذهب إلى رسول الله وقال: ما عندي مال خير من هذا المال، ضعه فيما شئت يا رسول الله، فأشار عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون وقفاً لله، قال: (إن شئت حبست الأصل وسبلت الثمرة).
يعني: أوقفته في سبيل الله، فأوقفه عمر في اليتامى ولذي القربى والمساكين، حتى ناظر هذا الوقف جعله يأكل منه غير متمول، فكان منفقاً في سبيل الله، حتى إنه مات وعليه ديون فكلف ابن عمر أن يسدد عنه هذه الديون بعد مماته رضي الله عنه وأرضاه.