أما إسلام عمر رضي الله عنه وأرضاه، فيذكر أهل السير قصصاً عديدة لإسلامه، فقد شهر سيفه ذاهباً إلى رسول الله ليقتله، وكان فظاً غليظاً، وكان يقول: هذا الرجل الذي جاء يفرق بين الوالد وولده، وبين الزوج وزوجته، وسفه أحلامنا وآلهتنا، فأخذ سيفه مهرولاً إلى رسول الله ليقتله، فقال له رجل: إذا كنت فاعلاً فانظر إلى أهل بيتك، انظر إلى أختك وزوجها فقد صبئا.
فذهب إليها فوجدها تقرأ القرآن فصفعها، فأدمى وجهها، فلما رأى الدم منها رق لها، ثم قال: أعطيني هذا الكتاب الذي بيدك، قالت: لا، إنك نجس، والنجاسة هنا نجاسة معنوية، لكنها أبت أن تعطيه الكتاب حتى يغتسل.
وهنا أستأنس بهذه الواقعة على أمر مهم وهو خلاف فقهي، فالراجح أن القرآن لا يمسه إلا طاهر، لا يمسه إلى متوضئ.
فقالت: لا حتى تغتسل، فدخل فاغتسل، فأخذ الكتاب فقرأ: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى} [طه:1 - 4]، فرق قلبه فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه حمزة من بعيد قال: هذا عمر، إن جاء لخير فهو له خير، وإن جاء لغير ذلك فقتله علينا هين، فلما دخل عمر رضي الله عنه وأرضاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم قام رسول الله فأخذ بتلابيبه، وقال: الآن يا عمر! الآن يا عمر! فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحققت فيه دعوة النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين)، فأصابت الدعوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.
كان رجلاً طويلاً إذا مشى بين الناس كأنه على بعير من طوله رضي الله عنه وأرضاه، وكان أبيض مليحاً أصلع رضي الله عنه وأرضاه.
بعدما أسلم عمر بن الخطاب قال ابن مسعود كلمات تحفر على السطور في منقبة عمر رضي الله عنه وأرضاه، قال: كان إسلام عمر فتحاً، وهجرته نصراً، وإمامته رحمة.
كان إسلام عمر فتحاً، كما سنبين كيف نشر الله الإسلام بإسلام عمر، وكانت هجرته نصراً، وكانت إمامته رحمة، لما دخل على رسول الله وأسلم ما خار، وإنما ظهرت قوته في دينه قال: يا رسول الله! ألسنا على الحق؟ قال: بلى، قال: لم الإخفاء الآن؟! لا بد أن نعلنها صراحة أننا على الإسلام والإيمان، ثم قام فصف الناس صفين فتقدم الصف الأول عمر بن الخطاب، ووضع على الصف الثاني أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب، ويتوسط الصفين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إلى مكة فأعلنوا الصلاة أمام قريش، فاشتاطت قريش غيظاً، وتألمت ألماً شديداً لما رأت عمر وحمزة كبيرا قريش في القوة والجلد، عمر وحمزة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتوسطهما.
ثم بعد ذلك قام عمر فقال: من أشد الناس نقلاً للأخبار؟ قالوا: فلان، فأخذه وقال له: أما علمت أنني صبأت؟! يعني: أسلمت، فقام الرجل مسرعاً إلى جميع قريش ينادي: قد صبأ عمر! قد صبأ عمر! وهو يقول: لا، بل أسلمت! بل أسلمت! ثم قال: من أشد الناس تغيظاً لإسلامي؟! فقالوا: خالك أبو جهل، ثم ذهب إليه فقرع عليه الباب، ففتح فقال: أهلاً بابن أختي! فقال له عمر: أما علمت أنني على دين محمد صلى الله عليه وسلم؟! فصفع الباب في وجهه رضي الله عنه وأرضاه تغيظاً.
ومن قوته في إعلاء كلمة الله جل وعلا ونصرة الدين والحق أنه قام عند الهجرة إلى كبار قريش وسادتهم فأخذ الرماد وذره على أعينهم وقال: شاهت الوجوه! يعني: قبح الله هذه الوجوه إني مهاجر إلى ربي، فمن أراد أن تثكله أمه فليأت ورائي خلف هذا الوادي، وهاجر معلناً بهجرته رضي الله عنه وأرضاه.