ّبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أشد فتنة منذ آدم عليه السلام إلى آخر الخليقة هو الدجال، كقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من فتنة منذ ذرأ الله الذرية أو ذرية آدم إلى آخر الخليقة مثل فتنة الدجال).
هذا الأعور الكذاب قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم -وإن كان الحديث فيه ضعيف لكن نستأنس به مع هذه الأحاديث الصحيحة-: (بادروا بالأعمال فتناً) يعني: بادروا قبل الفتن التي تهجم عليكم، ثم قال: (الدجال شر غائب ينتظر) فهو شر غائب ينتظر، وهو أشد فتنة تأتي.
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم فتنة الدجال وبينها أيما تبيين للأمة؛ لتعلم أن هذه أشد فتنة بحق، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عباد الله! فاثبتوا) وإنما قال هذا ليبين هذه الفتنة الشديدة على الناس، وقال: (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) وقال أيضاً: (إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا؛ فإذا رأيتموه فليس هو بربكم)، ثم بين فتنه.
وفي روايات كثيرة في الصحيحين وفي السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين من فتنته أنه ينظر إلى السماء فيقول لها: (أمطري فتمطر، وينظر إلى الأرض فيأمرها أن تنبت فتنبت، ويأتي على الخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتخرج كنوزها).
ومن فتنته: أنه يأتي إلى الأعرابي فيقول له: (أنا ربك، تؤمن بي إن بعثت لك أباك وأمك؟ فيقول: نعم، أؤمن بك، فيأمر شيطاناً فيتمثل له في أبيه وأمه)، فهذا الشيطان يأتيه بصورة أبيه وصورة أمه فيقولان له: آمن به فهو ربك، فيؤمن به، والعياذ بالله! ومن فتنته ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه يمر على القوم فيكذبون فما تبقى لهم سائمة) يعني: تموت كل السوائم، ويعيشون في ضنك بعدما يكذبونه، وهذه فتنة من الله جل وعلا وبلاء عظيم، ثم يمر على القوم فيؤمنون به فيرجعون أحسن ما كانوا وأغنى ما كانوا، يعني: تنزل عليهم النعم، وتطرأ عليهم حين يؤمنون به، وهذا أيضاً فتنة من الله جل وعلا.
وأشد الفتن التي يأتي بها -كما بين النبي صلى الله عليه وسلم-: أن معه ناراً وجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: (معه نار وجنة، وجنته نار، وناره جنة، فليدخل أحدكم رأسه في هذه النار وليدع الله جل وعلا) أو قال: (ليستعذ بالله وليقرأ عليه فواتح سورة الكهف)، ثم قال: (فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم عليه السلام).
فهناك فتن عظيمة جداً مع هذا الرجل.
وأشد الفتن بعد الجنة والنار: أنه يأتي برجل ثم يقول للناس: ترونه؟ لو أمته ثم أحييته أليست هذه صفة الربوبية؟ فهل تؤمنون بي؟ قالوا: نعم، فيأخذ الرجل فيشقه بمنشار حتى يقسمه نصفين، ويسير بينهما، ثم ينادي عليه فيقول: قم، فيلتئم نصف الشق الأيمن مع الشق الأيسر فيقوم متهللاً ينظر إليه، فيقول: تؤمن بي؟ أنا ربك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -مبيناً أن هذا هو خير الشباب في تلك العصور- فيقول له: (والله ما ازددت فيك إلا بصيرة؛ أنت الأعور الكذاب، أنت الدجال الذي حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم).
فيمكث في الناس قدر ما يمكث، ويأتي بخوارق العادات، وبالأعاجيب التي ملكه الله إياها حتى يكون بلاءً على الناس، وأكثر من يؤمن بـ الدجال اليهود عليهم لعائن الله جل وعلا، وأيضاً: النساء أكثر أتباع الدجال، وأيضاً يتبعه من النصارى جزء، وكل طائفة من هؤلاء الطوائف الثلاثة يتبعون المسيح.
أما الأمة الإسلامية فتنتظر مسيح الهدى الذي يقتل الدجال، رغم أنوف أهل الاعتزال والخوارج وأهل الكلام، وأيضاً: النصارى ينتظرون المسيح، ولكن ينتظرون المسيح ربهم، واليهود ينتظرون المسيح الذي بشر به موسى، والمسيح الذي بشر به موسى قد جاء وهو عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.
المقصود: أن الثلاث الطوائف ينتظرون المسيح؛ فـ المسيح الدجال سيؤمن به اليهود والنصارى، أما نحن فننتظر مسيح الهدى الذي سيقتل هذا المسيح الدجال الذي يمكث في الأرض يفتن الناس ويفتتن به الناس.