أولاً: الرد القاطع على أهل التصوف الغالين في رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يثبت الله جل وعلا للناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا بشر مثلكم، ومن جلدتكم، ومن بني آدم، يتأثر بما تتأثرون به، ويأكل ويشرب ويمشي في الأسواق، ويأتي أهله، ويمرض، بل إنه يسحر كما تسحرون، وهذا رد قاطع على المتصوفة الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم فوق طبقة البشر، وإنما خلق من نور ولم يخلق من ماء وطين! فمن رحمة الله للعالمين أنه أرسل إليهم رسولاً منهم يدعوهم إلى الله جل وعلا.
فأول هذه الحكم تقطع الغلو في الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم -ليحسم مادة الشرك وليحافظ على التوحيد-: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله)، إذ إن الذين غلوا في عيسى ما قالوا: إنه خلق من ماء وطين، بل قالوا: هو مشتق من الأقانيم الثلاثة، التي هي نور من الله جل وعلا، ونسبوا عيسى لله جل وعلا.
وأهل التصوف شابهوا فعلهم هذا فقالوا: محمد لم يخلق من ماء وطين بل خلق من نور، ثم ارتقوا بعد ذلك إلى أن وسموه بالربوبية والإلهية، كما قال البوصيري في البردة: وإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فما ترك لله شيئاً، فالدنيا والآخرة من وجود النبي صلى الله عليه وسلم، وعلم اللوح والقلم من علم النبي صلى الله عليه وسلم، فأين الله؟! ولذلك تعقب ابن رجب صاحب البردة فقال: هذا الرجل جن في عقله، فما ترك لله جل وعلا شيئاً، وإنما جعل كل شيء للنبي صلى الله عليه وسلم.
فمن الحكم البليغة فيه إظهار بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثر كما يتأثر البشر، ويمرض كما يمرض البشر، وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وكان مريضاً يتألم ويتوجع، فقلت: يا رسول الله! إني أراك توعك وعكاً شديداً، فقال: نعم.
إني أوعك مثلما يوعك الرجلان منكم، قلت: ذلك أن لك أجرين؟ قال: نعم).
والشاهد في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك البشر، بل إنه صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته في أحد وكاد يقتل صلوات ربي وسلامه عليه لولا أن الله جل وعلا أنزل في كتابه أمراً مقضياً: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].
فالله جل وعلا مكّن ليهودي كافر حاقد حاسد من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم لبشريته صلى الله عليه وسلم.