هذه هي أهم النقاط في مسألة الميزان، وسواء كنا سنوزن أو كانت الأعمال ستوزن، فعلى المرء أن يسارع في تثقيل نفسه حتى يكون عند الله ثقيلاً له الكرامة العظمى يوم القيامة، ويشرف ويكرم على رءوس الخلائق من لدن آدم إلى آخر الخليقة، والفقيه تاجر مع الله جل وعلا، ينظر أعظم شيء يثقل ميزانه فيكثر منه، وقد دلنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فإنه ما ترك لنا شيئاً إلا وأظهره لنا ودلنا عليه، وأثقل شيء يكون في الميزان كما في الحديث: (أثقل شيء في الميزان حسن الخلق) ولا غرابة في ذلك فإن الله لما شرف النبي امتدحه أمام الخلق أجمعين بصفة أرقى ما تكون ألا وهي حسن الخلق فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]، وفي الحديث عن أنس رضي الله عنه وأرضاه قال: (ما رأيت ديباجاً ولا حريراً ألين من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله ما قال لي لشيء أنا فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: لم لم تفعله؟ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لو قدر له لفعل) وكانت عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول: (كان خلقه القرآن)، وبينت أنه من أفضل ما كان فيه من خلق: أنه ما مست يده الشريفة يد امرأة قط، هكذا الخلق يرقى بالإنسان، كما في مسند أحمد أيضاً عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم) وهو نائم على سريره بحسن خلقه يرتقي إلى درجة الصائم القائم! وحسن الخلق هو إفشاء السلام، وبذل الطعام، وأن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تحسن للناس حتى وإن أساءوا إليك، ومن تمام حسن الخلق الذي يثقل الموازين ذكر الله أكثر من ذكر نفسك وولدك، وروى البيهقي في الشعب -ويظهر على الحديث الوضع-: (اذكروا الله حتى يقولوا: مجنون) إذا رآك الناس وأنت تذكر ربك وأنت نائم وقائم وجالس وما عندك إلا ذكر قالوا عنك: مخبول.
فذكر الله جل وعلا هو أثقل شيء في الميزان بعد حسن الخلق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصح الرجل الذي قال: إنه كثرت عليه الشرائع، فقال له: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله جل وعلا)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) نسأل الله جل وعلا أن يثقل موازيننا.
آخر ما يستنبط في تثقيل الميزان: الصدقة الجارية، وهي تثقل الميزان، والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن المرء إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث منها الصدقة الجارية، الصدقة الجارية تثقل الميزان؛ لأن صاحبها بعد مماته تكتب له حسناتها، وعمله ممتد إلى يوم القيامة، فالصدقة الجارية والوقف هو الذي يثقل ميزانك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (من حبس فرساً له في سبيل الله -يعني أوقفه- فإن بوله وروثه وشبعه وريه في ميزانه)، يعني: في ميزان العبد، حتى البول والروث والطعام والشراب في ميزانه إلى يوم القيامة، فما بالك بمن أوقف مالاً معيناً للمجاهدين، أو لأهل العلم، أو للفقراء أو المساكين، هذه كلها تثقل الميزان يوم القيامة.