يتعلق بالبعث أمر مهم جداً، ألا وهو: هل البعث هو نفس الخلق أم يتغاير؟ أقول: البعث خلق جديد، يتفق في الجنس ويختلف في السمة والنوع والصفة، فيتفق معه في الجنس فهو نفس الخلق، فأنت محمد مثلاً، مت وسيبعثك الله محمداً، لكن صفاتك وطبيعتك تختلف عن صفاتك وطبيعتك في الدنيا، والدليل على ذلك ما جاء عن ابن عباس أنه قال: (ليس بين ما في الجنة وبين ما في الدنيا إلا الاسم) موز موز، عنب عنب، اسم فقط، لكن يختلف في الطعم والرائحة، وإنما الاسم مشترك والجنس واحد.
وأيضاً أنت محمد في الدنيا وأنت محمد في الآخرة متفق في الجنس وفي الهيئة، لكن الصفة والسمة مختلفة تماماً، والذي يدلنا على ذلك هو أنك إذا أخذت رجلاً فألقيته في النار فسيحرق ويموت، وتخرج روحه، فهذه ليست الآخرة، أما في الآخرة فإنه إذا ألقي في النار فإنه لا يموت -أقصد الكافر- فإنه كما قال معاذ: الأرواح تسكن أجساداً لا تموت، فهذا أول تغاير بين الدنيا الآخرة، فالإنسان الكافر يحترق ويبقى في النار ولا يموت، وصور الله لنا هذه الصورة الهائلة فقال: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم:17]، يعني: أسباب الموت كلها موجودة: جوع عطش حر برد إهانة تنكيل كل ذلك من أسباب الموت، وهي موجودة ولكنه لا يموت، قال: ((وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ)) أي: يحيط به الموت {مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17]؛ لأن الله جل وعلا أبقاهم، والطبيعة قد تغيرت.
وأيضاً في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضرس الكافر يوم القيامة كجبل أحد)، فضرس الكافر في الآخرة يكون كجبل أحد، حتى ينكل به أشد النكال، فهذه دلالة أيضاً على أن خلقك يوم القيامة يكون مغايراً في طبيعته لخلقك وأنت في الدنيا، فأنت في الآخرة أوضح وأجلى وأرقى من ذلك، أسأل الله أن نكون كلنا من هؤلاء عندما ننظر إلى ربنا.
وموسى لما طلب رؤية الله جل وعلا في الدنيا ما استطاع؛ لأن طبيعته البشرية لا تستطيع ولا تحتمل أن تنظر إلى الله جل وعلا، ولذلك قال الله جل وعلا: {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143]، فلا الجبل يحتمل ولا طبيعة موسى عليه السلام تحتمل، لكن أنت في الآخرة قال الله عنك: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، فستنظر إلى أنوار سبحات وجه الله جل وعلا يوم القيامة، ولكن لن تنظر إلى الله جل وعلا بطبيعتك هذه، بل الطبيعة ستتغير، كما قال عز وجل: {فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]، ولذلك في عرصات يوم القيامة ترى الملائكة وترى الجن وأنت في الدنيا لا تراهم، كما قال عز وجل عن الدنيا: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]، فأنت لا ترى الجن، لكن يوم القيامة على عرصاتها تقف أنت وبجانبك الجن، وتنظر إلى الملائكة فالله جل وعلا ينادي: فلان بن فلان فيأتيه ملكان، ويأخذانه إلى العرض على الله جل وعلا وهو ينظر إليهما، وينظر أيضاً إلى الجن والشياطين، وينظر إلى الكل، فهذه دلالة على أن الطبيعة تتغاير، والعبد يرى ربه يوم القيامة في الجنة ويتمتع أكبر المتعة وأحسن المتعة برؤية ربه جل وعلا، كما في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنات عدن)، فإذا نزع رداء الكبر فكل منا سيرى ربه جل وعلا.
فهذه الأدلة تدل دلالة واضحة على أن الطبيعة متغايرة، فأنت في الخلق الأول في الدنيا غير ما تكون عليه في الخلق الثاني في الآخرة، نسأل الله جل وعلا أن يجعل خلقنا في الآخرة على أحسن صورة، وأن تكون على أتم ما يكون في يوم البعث، وأن يجعلنا ممن ينظرون إلى المليك المقتدر.